مجتمع

بالصور..نوستالجيا مابعد 16 ماي 2003

للسنة الثانية على التوالي، قرّرنا في جمعية الفضاء الحداثي للتنمية والتعايش، ألا نخلّد ذكرى 16 ماي بالكيفية التي اعتدناها، وهو القرار الذي لم يأت من فراغ وإنما كانت له مبرراته، وإن كان اتخاذه ليس بالهيّن علينا باعتبارنا أول جمعية تأسست عقب الأحداث الإرهابية الأليمة التي عاشتها الدارالبيضاء في 16 ماي 2003، والتي ظلت إلى جوار عدد من عائلات الضحايا في أولى الأيام العصيبة التي تلت الحادث الإرهابي، ورافقت مجموعة منهم خلال كل هذه السنوات التي مرت ونسجت معهم علاقات عائلية، انطلقت من مشاطرتهم ألم الصدمة لأول وهلة، وتطورت في جوانبها الإنسانية فيما بعد، من الدارالبيضاء إلى الجديدة مرورا بمراكش، لتشمل فيما بعد مساحة العلاقات عائلات لضحايا الإرهاب ليس في المغرب لوحده فحسب، بل امتدت تلك الروابط إلى خارج الحدود، لتؤسس لعلاقات جديدة مع لطيفة بن زياتن وجمعيتها، والجمعية الدولية لضحايا الإرهاب، بفروعها على صعيد دول عديدة في إيطاليا وإسبانيا وغيرهما…


هذا التذكير البسيط نستحضر من خلاله أشكال الاشتغال المتعددة التي باشرناها للمساهمة في إعادة زرع وترسيخ قيم التعايش والسلام، والقبول بالغير، ونبذ كل أشغال الغلو والتعصب المؤدية إلى التطرف وإلى الإقدام على ارتكاب جرائم إرهابية. مجهود تربوي، ثقافي، فكري واجتماعي، أردناه أن يشكّل قيمة مضافة للمقاربات الأخرى التي اعتمدت في مواجهة الظاهرة الإرهابية، فاشتغلنا في دور صفيح سيدي مومن، وفي مختلف الأحياء البيضاوية، وعلى امتداد الرقعة الجغرافية المغربية، بالخزانات الثقافية، ودور الشباب، والمؤسسات التعليمية، والفضاءات الخضراء من خلال برنامج الحدائق الفكرية، وبالشارع العام، وانفتحنا على جمعية المعتقلين السلفيين، وأسسنا لنقاش هادئ ورصين في وقت كان هذا الموضوع يشكّل إحراجا كبيرا للعديدين، ولم نقف عند هذا الحدّ بل دعونا أحد شيوخ هذا الفكر، الذين تم العفو عنهم بعد القيام بالمراجعات الفكرية، وهو “أبو حفص” لنقاش فكري جاد، رغم كل ما اعترضنا من صعوبات تجاوزناها، ليس بتنظيم هذا اللقاء، بل بدعوته فيما بعد للجلوس إلى جانب عائلات الضحايا والتحاور سويّا، بعيدا عن جو النفور والرفض الذي كان سائدا، خلال النسخة الثانية من المؤتمر الدولي الذي نظمناه وشكّل حدثا غير مسبوق، في غياب كل أشكال الدعم المادي والمعنوي.


سنوات من العمل الجاد والدؤوب لم تكن سبل الخطوات التي قطعتها الجمعية خلالها معبّدة، إذ اعترضتنا العديد من العراقيل والإكراهات، وواجهنا جملة من الاتهامات، بين من كان يعتبرنا مجرد أداة، تارة في يد الدولة، وتارة في يد الحزب الذي أنتمي إليه، لتصفية الحسابات مع “الإسلاميين” ومهاجمة الدين مقابل رفع لواء الحداثة والعلمانية، وتارة من طرف “الحداثيين الديمقراطيين”، الذين كانوا يرون في جلوسنا إلى جانب أسر معتقلي السلفية وشيوخها ومحاورتهم نكوصا وردّة وتطبيعا مع “المجرمين”، وتارة من مسؤولين، كانوا يريدون القطع مع جروح 16 ماي ويرون في خطواتنا إعادة لفتح جرح يريدون أن يندمل، وأن يكفّ الحديث عنه، وبين كل هذا وذاك، كنا نعاين كيف تُوفر الميزانيات، وتُنظم المهرجانات لمواجهة التطرف والإرهاب والدعوة للتسامح بأشكال فلكلورية، باعتماد حصص للرقص والغناء وغيرهما، ونحن لسنا ضدها بتاتا، لكن كنا على يقين أن أثرها ينتهي بإسدال الستائر وإطفاء الأنوار، في غياب وقع حقيقي على يوميات المغاربة، وعلى الشباب بصفة خاصة، في المؤسسات التعليمية والأحياء وعلى مستوى المناهج التعليمية، وكنا نتألم لسيناريوهات تسفيه لمجهودات عملية فعلية، مقابل النفخ الإعلامي والرسمي في “بالونات” عابرة؟

إننا اليوم ونحن لانخلّد ذكرى 16 ماي، نؤكد أن اللحظة بوجعها وصدمتها واستمرار شوائبها، لايجب أن تقتصر على مساحة زمنية فحسب، بل يجب استحضارها على مدار السنة، وأن يتم الاشتغال على دروسها دون انقطاع، لا أن يتم تبخيسها وتقزيمها في وقفة أو ندوة في هذا اليوم، على أن تُطوى صفحتها بانصرام الليلة، علما أنها مناسبة لمساءلة المجتمع والذات، وليست فرصة للتهافت على الصور والتصريحات، وترديد المطالب والشعارات التي تظل مجرد حبر على ورق، لايجد طريقه إلى التفعيل، لتبقى بذلك مجرد أحد أشكال التفريج عن “المكبوتات”!.


16 ماي، وما تلاها من أحداث، بحي الفرح وأركانة، وغيرهما، واستمرار تفكيك الخلايا الإرهابية باعتماد المقاربة الأمنية الاستباقية، التي لايمكن إلا تحيّتها والتنويه بها، هي دروس وعبر يجب استخلاصها، لتحصين المجتمع ديمقراطيا، تربويا، اجتماعيا، وتأطير الناشئة تأطيرا سليما، وان تقوم كل المؤسسات بأدوارها، من أجل تعاطٍ جدّي وفعليّ مع الظاهرة التي لم تعد بالاستثناء، والتي يساهم في تحجميها مناعة مجتمعنا بامتدادته التاريخية والدينية، تحجيم يجب أن تُوفّر له آليات أخرى وألا يتم النظر له من زاوية موسمية، حتى يتسنى ملامسة وقع فعلي من خلال الممارسات اليومية. أما نحن في الجمعية وفي ظل استمرار جملة الإكراهات التي أشرنا إليها، والتي لم نشر إليها، فإننا سنظل أوفياء للفكرة، مدافعين عنها على مستوى السلوك والممارسة لكن بعيدا عن كل أشكال البهرجة، حتى وإن كنا ورغم كل هذه السنوات، ورغم الأشواط التي قطعناها والتي فاقت حدود ما هو محلي، إقليمي، جهوي ووطني إلى ما هو دولي، لانتوفر على مقرّ للجمعية، في وقت تحولت فيه عدد من دور الشباب إلى فضاءات للمقاولات باسم التنمية البشرية!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى