توجهات وطنية كبرى واختيارات انمائية طموحة ميزت بداية مغرب الاستقلال، تحديداً ستينيات القرن الماضي حيث الرهان على واجهات عدة من اقتصاد ومجتمع وسياسة وجهات وثقافة، ذلك هو السياق العام الذي ارتبط به إحداث اذاعة فاس الجهوية… سياق كان مفعماً بحيوية سياسية جاء في إطاره مشروع إعلام الجهة بفاس، تجاوباً مع حجم ومكانة وموقع مدينة عريقة بوعاء حضاري مغربي واسلامي وكوني، وعلى أساس ما تحتويه هذه الحاضرة من عمق تراثي انساني مادي ولامادي، ووعياً بما كانت عليه عبر فترات تاريخية من اشعاع علمي وفكري وفني وثقافي وتواصلي.. والتفكير في إحداث إذاعة جهوية بفاس يعني ما يعنيه كالتفاتة رمزية وجميل اعتبار واعتراف لفائدة مدينة كانت بوقع وموقع عميق، في ملحمة الاستقلال والانعتاق والتحرر من خلال اسهاماتها الواسعة التي انفردت بها على عدة مستويات خلال فترة الحماية، بما في ذلك عمل الصحافة والاعلام الوطني المكتوب الذي كانت سباقة له خلال ثلاثينات القرن الماضي، هذا بالإضافة الى مبادرات سياسية واقدامات وطنية سياسية هامة في تاريخ المغرب السياسي المعاصر والراهن كما بالنسبة لوثيقة المطالبة بالاستقلال، ومعها محطات أخرى فاصلة كانت بأثر معبر في استقلال البلاد.
وبحكم طبيعة فترة الستينات من حيث طموحاتها في التنمية والبناء، ومن حيث كونها شكلت مرحلة انتقال بدرجة عالية من الأهمية على عدة مستويات، كان هناك رهان إعادة توجيه الأمور وفق اختيارات وطنية هادفة، ورغبة قوية في التدبير وفق مقاربة مغربية محضة بعد حوالي النصف قرن من زمن حماية. ولعل من القطاعات التي كانت تشغل بال الحكومة المغربية مع بداية ستينيات القرن الماضي بل ومنذ حصول البلاد على الاستقلال، هناك توسيع وعاء الاعلام السمعي كجديد كوني جاذب آنذاك، والاكثر حضورا وتداولا في الانشغالات الفنية الفكرية لتوفير المعلومة والخبر في المجتمع. كان رهان الحكومة المغربية في ظل هذه الشروط الجديدة الدولية التواصلية، هو انشاء اذاعات جهوية وتحقيق مشروع تلفزة مغربية في سباق مع الزمن، لجعل المغرب ثاني بلد عربي يصل ويحقق هذا الرهان، الذي كان البعض يفضل تسميته بالمعجزة. وسعيا من المسؤولين على قطاع البريد آنذاك للانتقال بهذه الاحلام الكبرى، الى انجازات على أرض الواقع، في أفق تعميم ما هو ثقافة ومعرفة وغيرها من الخدمات الأخرى، التي يمكن ان يسهم بها المذياع ومعه الشاشة الصغيرة. اقدمت الحكومة المغربية على شراء محطة التلفزة بالدار البيضاء، بكامل مرافقها وبكلفة مالية اجمالية بلغت آنذاك مائة مليون فرنك. والمسألة بقدر ما كانت تعني درجة الانشغال بهذا الملف، بقدر ما كانت تعكس رغبة الانفتاح والانخراط في جميع ماهو حديث وموجه للحياة الجديدة، هذه الاخيرة التي تحول فيها الاعلام سواء السمعي أو المرئي آنذاك الى أداة أساسية مؤثثة للاهتمامات المجتمعة.
في هذا السياق من مغرب ما بعد الاستقلال تحديدا بداية ستينيات القرن الماضي، الفترة التي يتفق الجميع على أنها كانت فترة وعود ومواعد وطموحات وطنية عميقة، وعلى كل المستويات من اقتصاد ومجتمع وسياسة خاصة بعد صدور ظهير1958 للحريات العامة. في هذا السياق المفعم بالحيوية جاء مشروع إحداث المحطة الجهوية لإذاعة فاس، تجاوبا مع حجم ومكانة المدينة من الوجهة الحضارية والانسانية، واستجابة لما كانت توجد عليه من اشعاع رائد في الفكر والفنون والثقافة وغيرها. هذا بالإضافة الى ما تعنيه هذه الالتفاتة/إنشاء اذاعة جهوية بها، من رمزية وطنية ومن جميل الاعتبار لفائدة مدينة كان لها وقعها وموقعها العميق في الحركة الوطنية، من خلال اسهاماتها الواسعة التي انفردت بها على عدة مستويات، بما في ذلك اسهامات العمل الاعلامي والصحافة المكتوبة ذات البعد الوطني منذ ثلاثينات القرن الماضي، ومن خلال كذلك مبادرات ومحطات فاصلة ومؤثرة سياسيا، كذا حجم التضحيات شأنها في ذلك شأن باقي الجهات الأخرى من المملكة.
وحول تاريخ الاذاعة الجهوية لفاس من حيث النشأة، وقد تجاوزت النصف قرن من حياتها بل هي تقرب من انهاء عقدها السادس، من المهم الحديث عن هذه المعلمة الاعلامية في العاصمة العلمية والروحية والثقافية للبلاد. ارتأينا كمهتم وفاعل الوقوف على قليل من الأرشيف الصحفي المكتوب، اعتمادا وعلى ما لا تزال تحفظه الخزانة العامة بالرباط في هذا المجال من وثائق بقيمة كبيرة، في محاولة لقراءة ما أوردته بعض اليوميات عن حدث انشاء الاذاعة الجهوية بفاس، الذي شكل نقلة نوعية في تاريخ الاعلام الجهوي بالمغرب المستقل وفي التواصل المجتمعي المؤسساتي. وكانت حقيقة من الاشارات القوية لقيمة هذا المشروع الاعلامي جهويا وبفاس تحديداً، الاشراف الرسمي لجلالة الملك الحسن الثاني على حفل التدشين وعلى الانطلاقة الفعلية للبث، كان ذلك صبيحة الثلاثاء ثاني ذي القعدة ألف وثلاثمائة وثمانين هجرية الموافق للثامن عشر من شهر أبريل ألف وتسعمائة وواحد وستين ميلادية. جاء هذا في إطار أول زيارة ملكية رسمية لفاس، بعدما كان رحمه الله قد توجه بأول زيارة له بعد توليته العرش، الى مدينة الدار البيضاء. وكانت فاس على عادتها وكما أوردت ذلك عدة يوميات بالعربية والفرنسية، قد أفردت لهذه الزيارة استقبالا حماسيا واسعا، كان ذلك مساء الخامس عشر من أبريل ألف وتسعمائة وواحد وستين. فقد أوردت جريدة “التحرير”والتي كان يرأس تحريرها آنذاك ذ.عبد الرحمان اليوسفي، ويدير تحريرها ذ.محمد البصري، مقالا في صفحتها الأولى تحت عنوان: “جلالة الملك الحسن الثاني يزور فاس زيارة رسمية”، مقال تمت الاشارة فيه لبعض أجواء الرحلة من الرباط الى فاس، والى مستوى الترحيب الذي لقيه جلالة الملك عند وصوله لعاصمة المغرب الروحية، من خلال مشهد اطلاق المدافع لإحدى وعشرين طلقة. نفس الجريدة فيما يتعلق بمشروع اذاعة فاس ضمن برنامج الزيارة، وفي مقال آخر تصدر هذه اليومية تحت عنوان “زيارة صاحب الجلالة للأطلس المتوسط” جاء فيه بالحرف: “…ثم دشن جلالته برفقة وزير البريد ومدير الإذاعة الوطنية مركز الاذاعة المحلية والذي تم بناؤه اخيرا” وللاشارة فقط ونظراً لما كان يحضى به جهاز المذياع من قيمة ومكانة في المجتمع، ليس فقط اعتباراً لما يوفره من خدمات ولما يقدمه من ثقافة ومعرفة واخبار، بل كمنتوج تقني جديد وجاذب للاقتناء من طرف المواطنين. فكثيراً ما كانت بعض الجرائد المغربية كما هو الحال بالنسبة ليومية” التحرير”، تخصص مساحة على صفحاتها لإشهار هذا الجهاز، مع حديث عن المذياع الذي لا يتوفر على خيط، وعن هذه الاجهزة من حيث موجاتها وطريقة تشغيلها وعدد بطارياتها كذا عملية استقبالها سواء بالمدينة أو البادية.
أما أسبوعية “الشعب” التي كانت تصدر من طنجة بخط تحرير حر، حامل لشعار ” في خدمة الشعب والعرش والعروبة والاسلام”، من تأسيس المرحوم المكي الناصري. فقد أوردت في عدد لها مقالا بعنوان “الرحلة الملكية الى فاس وعمالتها” تمت الاشارة فيه الى المدة الزمنية للرحلة، التي بدأت يوم السبت 15 ابريل الى 22 منه، مضيفة الى أنها ستخصص جانبا هاما من عدد قادم لها لتسجيل أطوار ومغازي هذه الرحلة، التي سيبقى لها موضعها المتميز في تاريخ المغرب الحديث، خاصة وأنها ستكون وراء بعث وانشاء عدة أوراش ومشاريع لفائدة العاصمة العلمية فاس في اشارة الى الاذاعة الجهوية. ونفس الجريدة في عدد آخر وفي مقال تحت عنوان “على ضوء الرحلة الملكية الى فاس”، تمت الاشارة الى أن رحلة فاس الى عاصمة القطر العلمية بتعبير اليومية، كانت مناسبة الاتصال المباشر مع العلماء والحديث معهم حول المجتمع المغربي، وأنه في فاس هذه المدينة العريقة والتاريخية الى جانب ما تزخر به من فكر لصيق بالعلوم الاسلامية، ومن اهتمام بالمحافظة علي التراث وما تقوم به من جهد لتعميمه في المجتمع المغربي، هناك مجالات أخرى حيوية تميز المدينة ويحتاج معها الأمر الى مزيد من الدعم. جريدة” الفجر” هذه الصباحية الاخبارية التي كانت تصدر من الرباط وكان يديرها ذ.مصطفى العلوي، خصصت عدة مقالات في اطار تغطيتها للرحلة الملكية الى فاس، مستحضرة مشروع انشاء الاذاعة الجهوية لفاس ضمن الاوراش الكبرى التي تعززت بها العاصمة الروحية للمملكة. ففي عدد لها خلال ابريل 1961 وفي مقال بعنوان “يوم حافل لجلالة الملك الحسن الثاني بفاس”، أوردت بالحرف بخصوص اذاعة فاس”..وبعد أن ودع جلالة الملك مقر الجامعة الجديد اتجه نحو البناية الجديدة للاذاعة المحلية وقد استقبل من طرف وزير البريد والبرق والتليفون..ووزير الأنباء والسياحة ومدير الاذاعة الوطنية وبعد تلاوة آيات من الذكرالحكيم والإنصات الى مختلف الأجواق الأندلسية العصرية والملحون، غادر صاحب الجلالة مركز الاذاعة الجديد بنفس ما استقبل به من حفاوة وترحاب”. وفي عدد لها خلال اليوم الموالي أوردت الجريدة في صفحتها الاولى، صورة على درجة عالية من الرمزية والأهمية في ذاكرة هذه المحطة الاذاعية. يتعلق الأمرهنا بحدث التدشين من طرف جلالة الملك رفقة عدد من المسؤولين الحكوميين. وتبدو في الصورة بعض من التجهيزات التقنية والفنية الخاصة بالبث والتسجيل، وقد تم إرفاق هذه الصورة التاريخية بعنوان أسفلها تضمن”جلالة الملك الحسن الثاني يدشن محطة الاذاعة الجديدة بفاس”
يومية “العلم” الناطقة بلسان حزب الاستقلال وبعد ستة عشرة سنة من الصدور. في عدد صادر بتاريخ 18 أبريل1961 أوردت مقالا بعنوان “في الزيارة الملكية الى فاس، “أشار فيه مراسلها الى أن المدينة ستكون على موعد مع جملة مشاريع ايجابية لفائدة المواطنين على اثر هذه الزيارة، مشيراً الى أن من الأوراش من سيكون بطابع ثقافي وعلمي واجتماعي. وفي مقال آخر خلال نفس الشهر تحت عنوان “جلالة الملك يقول في المجلس البلدي بفاس: يجب تشييد ديمقراطية سياسية تدعمها ديمقراطية اقتصادية وعدالة اجتماعية”. تمت الاشارة الى أن جلالة الملك ارتجل خطاباً استهله بالتعبير عن فرحة وجوده بفاس وتأثره بحفاوة الاستقبال، مشيراً الى مكانة المدينة في التاريخ المغربي واهميتها كعاصمة سياسية ودينية وثقافية واقتصادية، مضيفاً ما تزخر به فاس من اشعاع ثقافي ليس فقط في المغرب بل الخارج كذلك.
ومن الجرائد الفرنسية التي كانت لسان حال المعمرين منذ فرض الحماية على المغرب، والتي استمرت في الصدور لعدة سنوات بعد الاستقلال هناك “لافيجي ماروكان” la vigie marocaine وبالعربية تعني “الرقيب المغربي”. هذا المنبر المكتوب الناطق بالفرنسية الذي كان يصدر من الدار البيضاء، مدعوماً من الحكومة الفرنسية ومن الاقامة العامة الفرنسية بالمغرب. في عدد لها من سنتها الثالثة والخمسين من الصدور بالمغرب ، أوردت هذه اليومية مقالا في صفحتها الاولى استهدف ابراز القيمة المضافة لحدث انشاء الاذاعة الجهوية لفاس، ضمن الرهانات الانمائية المحلية وسياسة اللامركزية في مغرب ما بعد الاستقلال. المقال الذي استحضر الإشراف الملكي الفعلي على عملية التدشين الرسمية، جاء بهذه الصياغة”S.M.HASSAN ΙΙ sera demain à fés ou il fera son entrée officielle,le souverain inaugurera la station régionale d’émission de la radiodiffusion.. نفس اليومية الفرنسية في عدد آخر خلال اليوم الثالث من الزيارة الملكية الاولى والرسمية لفاس، أوردت حول تدشين الاذاعة الجهوية أن من الشخصيات الحكومية المسؤولة عن قطاع الاعلام، والتي كانت في الاستقبال هناك وزير البريد السيد الشرقاوي ووزير الاعلام والسياحة السيد احمد العلوي والمدير العام للإذاعة المغربية السيد محمد المختار ولد البا، ثم المهندس الرئيسي المسؤول بالاذاعة السيد عبد الحق بن كيران. ومن خلال مقال آخر لهذه اليومية في أبريل من نفس السنة أثناء الرحلة الملكية الاولى لفاس بعد توليته العرش، يظهر أن الحكومة المغربية الى جانب رهانها وانشغالها بإرساء دعائم الاعلام الجهوي من خلال انشاء اذاعات بامتدادات جهوية، كانت في سباق تقني مع الزمن من أجل تحقيق تلفزة مغربية منتظمة البث. وكان الحديث أثناء تدشين اذاعة فاس عن تاريخ إما نهاية 1961 أو بداية 1962 للانتقال بهذا الطموح أي تلفزة مغربية قائمة الذات، الى إنجاز والى خدمات عمومية على أرض الواقع.
جريدة “لوبوتي ماروكان”le petit marocain والتي تدخل ضمن التجارب الصحفية الاولى المكتوبة بالمغرب، على عهد الحماية سنوات العشرينات من القرن الماضي. وخاصية هذه اليومية بخلاف عدة تجارب أخرى، كونها واصلت صدورها بشكل عادي بعد الاستقلال، لدرجة أنها كانت ناطقة بلسان الحكومات المغربية المتعاقبة منذ اقالة حكومة عبد الله ابراهيم/1960. إلا انه في31 اكتوبر من سنة1971 ، صدر قانون مغربي وضع حداً لجميع الصحف الأجنبية بالمغرب. وطيلة فترة ما بعد استقلال المغرب كثيراً ما كانت هذه الأخيرة تستحضر الاخبار الوطنية والدولية الكبرى، انما الاكثر إثارة للرأي العام سواء بالداخل او الخارج، كما أنها ظلت مرتبطة بالدار البيضاء من حيث صدورها على امتداد اثنان وخمسون سنة على أساس اخباري وسياسي بالدرجة الاولى. أثناء الزيارة الملكية الرسمية الاولى لفاس، خصصت هذه اليومية تغطيات منتظمة مستحضرة كل المشاريع وبنوع من التفصيل. حفاظا على موقعها المتميز الاعلامي وعلى حجم قرائها، خصوصا وأنها كانت اليومية الاكثر مبيعاً بالمغرب والاكثر مقروئية، وهو الامتياز الذي كان يتم الاعلان عنه في كل أعدادها. فيما يتعلق بحدث انشاء الاذاعة الجهوية لفاس، أوردت في عدد لها خلال أبريل 1961 مقالا بعنوان”fés une station d’émission de r.d.m inaugurée par s.m. Le roi” . كل المقالات التي صدرت على صفحات الجريدة كانت معززة بالصور وبعناوين كبرى، وهو ما يعني ليس فقط التجربة الصحفية والخبرة في هذا المجال، بل أخدها بعين الاعتبار لعنصر الاثارة لفائدة القراء وتجاه الراي العام. ومن خلال هذا العنوان”Première émission de Radio Fès”، تحدثت الجريدة في أحد أعدادها عن أجواء استقبال جلالة الملك اثناء تدشين الاذاعة، حيث تم استقباله بباقات الورود، وبالثمر والحليب على الطريقة المغربية الأصيلة، من طرف فتاتين كن يلبسن القفطان المغربي المنبت بالذهب. كما تم استقبال جلالة الملك والترحيب به في قلب الاذاعة على ايقاع الطرب الاندلسي وكورال جمعية الانبعاث، حيث تم اعطاء الانطلاقة الرسمية للبث بالضغط على زر التشغيل. هذا الحدث الاعلامي الجهوي الكبير بفاس استحضرته الجريدة في عدد لها بتاريخ 20 أبريل من نفس السنة، من خلال صورة كبيرة على صفحتها الاولى، يظهر فيها جلالة الملك وهو يحرك الزر الخاص بجهاز الارسال الاذاعي/émetteur، وكانت الصورة مرفوقة بتعليق في الموضوع، تضمن أن المشروع يأتي في اطار مجهودات الحكومة المغربية لإرساء اللامركزية في هذا المجال الحيوي. وفي اطار دائما تاريخ وحدث انشاء الاذاعة الجهوية لفاس من اليوميات المكتوبة الناطقة بالفرنسية التي واكبت العملية، نتوقف عند جريدة”صدى المغرب”l’écho du Maroc “والتي ملأت تقريبا كل زمن الحماية بل امتدت الى السنوات الاولى من ستينات القرن الماضي، وهي من اقدم اليوميات الصباحية بالمغرب. فيما يتعلق بحدث فاس الجوهري في تاريخ الاعلام الجهوي العمومي أي إنشاء اذاعة محلية. فقد استحضرته “صدى المغرب” من خلال تغطيات خاصة بدأ الاشتغال عليها منذ الأسبوع الأول من أبريل 1961، والى غاية نهاية الرحلة الملكية الرسمية لفاس. ففي أحد أعدادها ورد أنه من المشاريع الهامة التي سترى النور بالعاصمة العلمية للمغرب آنذاك، والتي منها إحداث اذاعة جهوية. وفي مقال آخر تصدر عددها الصادر بتاريخ 15 أبريل أوردت الجريدة هذا العنوان بحروف بارزة “21 coups de canon salueront “aujourd’hui l’entrée officielle à fes de s.m.hassan ΙΙ “وكان الحديث عن الاذاعة الجهوية لفاس من خلال هذا العنوان المثير والجاذب، الذي أوردته في عدد آخر بتاريخ 19 أبريل”s.m.hassan ΙΙ a doté fés d’une maison régionale de la radio”
كل هذا يبين ما أولته الصحافة المكتوبة من أهمية وتتبع لهذا المشروع الجهوي، الذي تمكن من بلوغ حصيلة أزيد من نصف قرن من الاشتغال تحديدا ستة وخمسين عاماً بالتمام والكمال، وبالتالي شرف أحقية واستحقاقية الاحتفال السنوي بالذكرى، خاصة وأنها بعد نصف قرن من الإسهام والتأمل كانت وراء مجد اعلامي سمعي جهوي، يشهد به وله كبار المثقفين والاعلاميين المغاربة، وكبار الاسماء في مجالي الابداع والفن الأصيل منه والحديث. وتكفي الاشارة فقط الى أن معظم الذين اثثوا الزمن الذهبي للاغنية المغربية خلال فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، كانت مدرستهم الأولى هي دار الاذاعة الجهوية لفاس. التي كان لها الفضل ليس فقط في الكشف عن مواهب الكثير بل في تعبيد الطريق للكثير، ويكفي الوقوف على دخيرة ما تحتويه الخزانة الفنية وأرشيف هذه الاذاعة الشامخة، من تسجيلات نادرة لأجمل وأروع ما تغنى به السلف من المبدعين، ولأروع ما أغنوا به الخزانة الفنية المغربية والفاسية في مجال الطرب والغناء بكل ألوانه وأصنافه. ختاما كان الهدف من هذه الالتفاتة وهذه الورقة بمناسبة ذكرى انشاء اذاعة فاس، ليس فقط تسليط بعض الضوء على حدث تدشينها هذه منذ أكثر من خمسة عقود بالتمام والكمال، من خلال ما ورد كانت مواكبة عن الأرشيف المغربي. بل كذلك ابراز تميز الحدث في حد ذاته من خلال قيمة التشريف والاشراف الملكي الفعلي، لتكون بذلك المحطة الجهوية الاذاعية الوحيدة وطنيا التي حظيت بهذا الاعتبار، الذي شكل ولا يزال عنوان فخر واعتزاز لدى الاسرة الاعلامية المقتدرة العاملة بالمحطة، وجزءاً معبراً من تاريخ إعلام ومن رأسمال رمزي معنوي لا يزال في عمق وجدان وذاكرة دار زنقة الوكيلي الشامخة بفاس.