مجتمع

حوار مع البروفيسور رجاء أغزادي: أول جراحة مغربية

حظيت بشرف القيام بنشاطات إنسانية في دول عديدة وتم منحي لقب قنصل فخريكانت أصغر طبيبة في دفعتها، حيث لم تتجاوز الواحد والعشرين سنة عندما تخرجت، وكانت أيضا أول جراحة مغربية تثقن مهنة كانت تقتصر فقط على الرجال.. وبما أنها لا تكل ولا تمل من طلب العلم والمعرفة فقد ثابرت إلى أن أصبحت بروفيسورا في الجراحات العامة والجراحات الهضمية وسنها لم يتعد الثلاثين سنة، ليقودها حبها للمرأة وحنينها إلى مساعدتها للتخصص في جراحة الثدي والأمراض السرطانية.. الكل يقول إنها جراحة ليست كغيرها من الجراحين، يديها فيهما بلسم وشفاء، ولا تقوم ببثر الثدي إلا للضرورة القصوى لكن رغم ذلك فهي تعوضه في نفس الوقت بعمليات تجميلية حتى لا تشعر المرأة بالنقص.. تجدها ترتحل هنا وهناك في مختلف دول العالم، ففي الدول المتقدمة تدرس شهريا أحدث ما يتوصل إليه العلم في مجالها، وفي العالم النامي تقدم مساعدات وأجهزة طبية وتجري جراحات وتساعد في شفاء الكثيرات.. وبما أنها تعشق بلدها لحد الجنون الذي تشرفه وترفع اسمه عاليا مع كل الشخصيات الوازنة التي تلتقي بهم، فهي لم تنس أبدا مساعدة نساء بلدها حيث أسست جمعية قلب النساء لمساعدة النساء اللواتي يعانين من سرطان الثدي، فأجرت آلاف الآلاف من العمليات المجانية وما زالت تصر على تقديم الأكثر والأكثر..



إنها البروفيسور رجاء أغزادي التي التقيناها في حوارنا بمناسبة اليوم العالمي للمرأة باعتبارها من أنجح الجراحات بالمغرب..

نبدأ حوارنا بالحديث عن رجاء أغزادي، المرأة المميزة والفنانة والرسامة والديبلوماسية والجمعوية والجراحة والبروفيسورة.. من هي رجاء في كل ذلك، والزوجة والأم والطبيبة؟

رجاء قبل كل شيء هي إنسانة كباقي النساء لديها طموح وهاجس كبير وهو صحة المرأة التي هي نواة المجتمع.. بالنسبة لزوجي فقد ساعدني كثيرا وأنا لا أنكر فضله علي بعد الله عز وجل، ففي العادة يقولون، وراء كل رجل عظيم امرأة، وأنا أقول وراء كل امرأة ناجحة زوج عظيم.. زوجي هو من دفعني للنجاح، فأن تعمل امرأة في مجال الجراحة مدة 35 سنة وتستقبل اتصالات في كل الأوقات، في الثانية أو الرابعة صباحا وتجد تفهم زوجها فهنا نرفع القبعة لهذا الزوج احتراما.. زوجي لم يصرخ في وجهي أبدا بسبب غيابي المتواصل عنهم واهتمامي الأكبر بمهنتي بل بالعكس كان ومازال فخورا بي.. لقد كان مساري المهني طويلا جدا ويحمل بين طياته العديد من الصعوبات والأشواك، مازلت أتذكر حينما أردت الحصول على درجة بروفيسور وبسبب الامتحانات لم أخرج من غرفتي ومنزلي حوالي السنة، كانت غرفتي كلها كتب ومراجع، في السقف وعلى الحائط والأرض، وهنا أحيي زوجي على صبره ومساندته التي كانت بمثابة القوة التي أتزود بها أثناء صعودي سلم النجاح..

أبنائي “الله يرضى عليهم”، فأن تعملي في مجال كمجالي وتلدين وتربين فهذا ثقل لا تشعر به إلا من تعملن مثلي أو مجالات مشاهبة. والحمد لله أن رزقني الله ابن وابنة استطعت تربيتهما تربية مستقيمة مبنية على النزاهة والمبادئ والاحترام..

اهتمامي بالطب يعود إلى الطفولة حيث قررت وأنا في سن صغير جدا أن أصبح طبيبة جراحة، وما جعلني أتوجه إلى جراحة الثدي خاصة، رغم أن تخصصي جراحة عامة والجراحات الهضمية، أنني رأيت بأم عيني حالات لنساء تولين أهمية لأولادهن وأزواجهن بدل أنفسهن ويهملن أثداءهن إلى أن تصل إلى درجة مهولة.. ومنذ أكثر من عشرين سنة وأنا أمارس جراحة الثدي وأقوم بتطوير جراحتي حسب آخر ما يصل إليه الطب الحديث. فأنا لا أفوت أي فرصة لحضور أي اجتماع أو لقاء عالمي يخص هذا المجال، تجدونني حاضرة بقوة لجلب ما هو أفضل وأحدث للمرأة المغربية، لأن الجراحة الآن تطورت بكيفية كبيرة، ففي الثمانينيات عندما بدأت بالجراحة كنا عندما نتحدث عن مشكل بالثدي فالبتر يكون هو الحل الوحيد، أما اليوم فباتت العمليات لا تقتصر على الجراحة بل التجميل في نفس الآن، وهذا الهاجس هو الذي كان يمنحني الدينامو للاهتمام بالمرأة وعدم شعورها بالنقص حال فقدان ثديها.



15 سنة ونصف هي السن التي حصلت عليها على الباكالوريا، 21 سنة كنت أصغر طبيبة في دفعتها.. 30 سنة كنت بروفيسور في الجراحة، حدثينا عن هذه المسيرة؟

هناك الكثير ما يقال.. لقد كنت من بين الأوائل في الجراحة بالمغرب، فقد كانت هناك زميلات أخريات ولكن كنا نحن الأوائل.. طريقنا لم يكن سهلا وكان الزملاء الرجال يستغربون توجهنا بل وينصحوننا باختيار توجه آخر غير الجراحة لكن المفرح في الأمر هو دعم أساتذتنا وقد كان ذلك فخرا لنا.. وهنا أستغل الفرصة لأحيي أساتذتي تحية كبيرة جدا منهم من قضى نحبه وأطلب من الله عز وجل أن يرحمهم ومنهم ما زال على قيد الحياة أدعو لهم بطول العمر، منهم على سبيل الذكر البروفيسور التونسي والمعوني وبلماحي..، كلهم كانوا يفتخرون بالإشراف على تكوين وتعليم نساء.. أتذكر أن البروفيسور بنشقرون كان لا يخفي فخره الكبير بكونه يكون امرأة وهذا ما منحنا قوة للمضي قدما في مجال ذكوري يعتمد بالدرجة الأولى على القوة الجسمانية والعقلية.. كانت تأتينا حالات حرجة جدا، فهذا داسه قطار وقسمه إلى نصفين وآخر مرت عليه شاحنة وثالث أمعاؤه خرجت من بطنه وغيرها من الحالات التي تحتم عليك أن تقرري خلال ثواني فقط لإنقاذ حياة شخص وبسرعة خارقة، وتلك السرعة لا تقوديها لوحدك بل معك مجموعة من الأطباء والمساعدين الذين يراقبونك وينتظرون منك كامرأة أضعاف الأضعاف حتى يعترفوا بتفوقك، ولا ننسى أيضا ضغط مجال العمل خصوصا أنني اشتغلت في جراحة المستعجلات لسنوات عديدة..

تترأسين جمعية قلب النساء التي تحارب سرطان الثدي، كيف انطلقت حربك على السرطان؟ وما الذي حققته الجمعية لخدمة الآخرين؟

انطلاقة الجمعية كانت مثل الأحجية، كنت جراحة في الجهاز الهضمي وكنت أعمل بمستعجلات الدار البيضاء، وكان إيقاع العمل هناك سريعا جدا، وقد لاحظت أن بعض النسوة تأتين في حالة يرثى لها وقد أصبح الورم متفاوتا، بدأت أبحث عن أسباب وصول هؤلاء النسوة لهذه المرحلة المتطورة فكانت النتيجة هي صعوبات تتكبدها المريضة انطلاقا من مستوصف الحي مرورا بالمستشفى و.. إلى أن تصل إلى المستشفى الجامعي. وقد قدرت المدة التي استغرقتها المريضة حوالي السنتين، تصورا معي سنتان بالنسبة للسرطان، ماذا يعني وإلى أي حد ينتشر؟ لهذا قررت بمعية مجموعة من المتطوعين أن نذهب نحن ونتقرب من النساء بالبوادي وبالجبال والمناطق النائية ونساعدهن.. فأنا أحب العمل الإنساني وأحب مساعدة الآخرين وأحب أكثر بلدي، ففي اليوم الذي لا أعطي فيه أشعر بأنني ثقيلة على المجتمع.. لقد زرنا حوالي 36 فضاء بالمغرب خصوصا القرى والمناطق النائية، ورأينا أمور مهولة، نساء يعشن مع أثداء في حالة كارثية، نساء ينتظرن حصاد السنة حتى يمنحهن أزواجهن 10 دراهم لتستقلن حافلة وتذهبن إلى المدينة لزيارة الطبيب.. وهنا أتحدث عن 15 سنة قبل، أما الآن فالأمور تغيرت بفضل مؤسسة للا سلمى والتي بدعمها والحملات التحسيسية على التلفزيون لم نعد نرى الأورام ذات الأحجام الكبيرة..



وكامرأة تغار على النساء توجهت للثدي لأن له جمالية خاصة، فهو يمنح الحياة وهو روح المرأة وهذا سبب تسميتنا للجمعية التي بدأت نشاطها في 2001.. لقد حققت جمعيتنا الكثير، زرنا خلالها 36 منطقة وكلنا حماس مع العديد من الهيئات المحلية، حيث تتجند معنا وزارة الصحة والسلطات المحلية التي تأتينا بالنساء ويمنحوننا فضاء لحملاتنا التحسيسية وللكشف، ولا يقتصر عملنا على التوعية بل نساعد النساء اللواتي تعانين من الورم ونأخذ حالتهن على محمل الجد، وبمساعدة وزارة الصحة، التي أوجه لها تحية تقدير واحترام، نجري عمليات جراحية وعلاجات للمصابات في المستشفيات ويقدم لنا أيضا سكان المناطق دعمهم لشراء المواد الكيماوية العلاجية.. بعد وصول جمعية للا سلمى، منحت الحملات التحسيسية شعاعا أكبر والدليل تلك المستشفيات المتخصصة في ذلك.. تطورت الأشياء ومعها طورنا وسائل عملنا، وهذا التطور لم يقتصر فقط على المغرب بل في إفريقيا أيضا..

نتحدث عن هذه النقطة، مساعداتك ومساهماتك وإنجازاتك تعدت حدود الوطن لتصل إلى إفريقيا جنوب الصحراء.. حدثينا عن هذه التجربة..

زرنا سبع دول، وكما المغرب نعاين النساء ونجري لهن جراحات في نفس الوقت ونقدم أيضا العلاجات.. لقد عملت جمعيتنا والمؤسسات المحلية في تلك الدول يدا في يد لمحاربة السرطان.. فسرطان الثدي ليس له لون أو حدود وهو يخصنا جميعا..

رجاء أغزادي قنصل فخري لدولة غامبيا بالمغرب.. كيف ولماذا؟

حظيت بشرف القيام بنشاطات إنسانية في تلك الدولة، وتم منحي هذا اللقب الشرفي.. فالعمل الذي قمت به في تلك الدولة وغيرها والأجهزة التي أقدمها بل ومازلت وأيضا العديد من الأعمال الإنسانية جعلتني أحصل على هذا اللقب..

خضت العديد من التكوينات بأوروبا وبعدد من الدول المتقدمة لاستعمال تقنيات خاصة لجراحة الثدي مع الحفاظ على جماليته.. حدثينا أكثر عن ذلك..

الحديث كثير عن هذه التقنيات التي أفتخر بها والتي دخلت إلى المغرب بل وهناك عدد من الزملاء يعملون بها وأدت إلى ضبط جراحة الثدي ببلدنا.. هذه التقنيات تبقى على تواصل مع أوروبا وأمريكا وجميع الدول المتقدمة حتى ترى أحدث ما استجد في عالم هذا النوع من الجراحة.. أنا أهتم كثيرا بالثدي الذي نقوم بفتحه لكن الأهم أن نترك له جماله وشكله، وهي تقنيات جد دقيقة نأخذها من الجراحين التجميليين فإذا ما نزعنا الورم وحصل ثقب كبير في الثدي فإننا نقوم بتجميله ومحاولة إعادة شكله السابق وهي تقنية تعلمتها بباريس والحمد لله انتشر هذا النوع من الجراحة وموجود بالمغرب حتى تعرف النساء أن كل ما ينجز بفرنسا موجود ببلدنا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى