كان ابن أمه، ولم يكن يستطيع أن يتنفس خارج غلافها العاطفي الذي مازالت تطوقه به، إلى أن وافتها المنية أمس، كما كانت تخاف عليه، مثل طفل صغير، رغم منصبه الرسمي الذي يجعله في ثاني رتبة بروتوكوليا بعد جلالة الملك.
مفتاحة الشامي الخزرجي وعبد الإله بنكيران قصة عشق متفردة تفوق بدرجات كبيرة علاقة ابن بأمه، ومرة قال بنكيران إنه لا يستطيع العيش دونها، أو إنه سيموت لمجرد التفكير في غيابها. لم يفتأ بنكيران، حتى في عز مشاغل الحكم، يذكر بأفضال والدته عليه “كان والدي يدللني بشكل كبير وكانت والدتي تحاول أن تضبط هذا الدلال حتى لا ينعكس على تربيتي”.
يقول رئيس الحكومة إن علاقة حميمية جمعته بوالدته، “لكنها لم تكن علاقة سهلة ولا دائما مستقرة، لم تصبح كذلك إلا في السنوات الأخيرة، حيث لا أحاول أن أعارضها”، مضيفا “إنني أحبها بطريقة جنونية وأشبهها في كثير من الصفات، إنها عيني التي تبصر طريقي وبفضلها أدركت معنى الشأن العام.. أنا لا أشبه والدتي التي كانت تمارس السياسة بشكل حذر، لكنني مازلت أتعلم منها إلى اليوم”.
تعود أصول مفتاحة الشامي الخزرجي إلى إحدى العائلات القادمة من الشام العربي واستوطنت فاس قبل قرون، كما يرجع نسبها، حسب أحد أقاربها، إلى الصحابي سعد بن عبادة بالمدينة المنورة. امرأة قوية وصلبة، رغم تجاوزها عقدها الثامن بسنوات، قضتها في تربية أبنائها وانتقلت من أجلهم من فاس إلى الرباط، حيث رزقت بأبنائها عبد العزيز وعبد الإله ويوسف بنكيران.
لم تتجاوز الشامية عتبة مدرسة في حياتها، لكنها تعلمت فن الحياة بتمرسها وصبرها ومكابدتها المشاق بعد رحيل الزوج (الحاج المختار بنكيران) وتحملها المسؤولية بدلا عنه في تربية الأولاد وتعليمهم، وفي هذه الفترة تعلمت منهم أبجديات الكتابة والقراءة، كما تعلمت منهم معنى تتبع الشأن السياسي والوطني.
ودون أبنائها الآخرين، الذين غادروا لمتابعة دراستهم في الخارج، ظل عبد الإله لصيقا بوالدته، كما ظلت تعتبره ظلها ورجلها الوحيد، وكم قاست، حين انتزعه زوار الليل من أمام عينها، حين كان ناشطا، نهاية السبعينات، في حركة إسلامية نسب إليها اغتيال رمز من رموز اليسار المغربي (عمر بنجلون).
لم يفخر سياسي بأمه كما فعل بنكيران، ولم يعرف عن رئيس حكومة في تاريخ المغرب أسرار بيته كما فعل بنكيران بكل عفوية، لذلك يذكر المواطنين أسماء زوجته وأبنائه وأحفاده واسمي والدته ووالده “سي المختار”.
مفتاحة امرأة سياسية مازالت تتابع ظهور ابنها في التلفزيون والمهرجانات الخطابية وتصغي جيدا إلى تصريحاته وقفشاته وتعرف اتجاهات مواقفه، رغم تقدمها في السن. ومرة، حملت سماعة الهاتف وعاتبته بقوة على موقف، قائلة له “علاش عطيتي فرصة لخصومك ليهاجموك؟ ما تعطيهمش هذه الفرص”.
وكانت مفاجأة بنكيران كبيرة، حين قالت له إنها ستشيح بوجهها عن أعز أبنائها في حالة واحدة إذا نازع جلالة الملك في أمر ما.
ويعتقد بنكيران أن تحذير والدته نابع من تربيتها الوطنية ويقول “الوالدة كانت ومازالت استقلالية، وما لا يعرفه البعض هو أن والدي كان بعيدا جدا عن السياسة لا يعرف إلا البيت والمسجد والدكان والزاوية.. الزاوية التيجانية، ولا علاقة له بشيء آخر، وحين انتقل إخوتي الكبار إلى الدار البيضاء وتحسنت أوضاعهم، كنا نزورهم، وكايتهلاو فينا وصافي، أما الوالدة فكانت لها علاقة بالنضال في العكاري حتى قبل الاستقلال”.
يعترف رئيس الحكومة بأنه ورث الحس السياسي عن للامفتاحة وليس عن والده، “الاهتمام بالشأن العام ورثته عنها وليس عن الوالد، وأذكر أن صديقة لها اسمها مي طامو كانت تأتي عندنا كثيرا، وكانت تأخذني معها لبعض الأنشطة السياسية، وكنت أعتز بذلك كثيرا وأنا مازلت صغيرا، وكان مقر تابع لحزب الاستقلال قريبا من منزلنا، فكنت غادي جاي معاهم، وعشت معهم كل المحطات المهمة مثل ظهور الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لكن والدتي حافظت على ولائها لحزب الاستقلال، وقد تكون منذ عشر سنوات تقريبا ابتعدت نظرا إلى سنها، لكن ما عمرها كانت مناضلة نشيطة، بل كانت مناصرة لحزب الاستقلال”.