الرأيرياضة

أشبال المغرب من قلب الشيلي،حين يتحول الإصرار إلى رسالة وطنية

▪︎أشبال المغرب من قلب الشيلي،حين يتحول الإصرار إلى رسالة وطنية.

من قلب أمريكا اللاتينية، وتحديدًا من دولة الشيلي، يسطّر أشبال المغرب ملحمة جديدة في مسار كرة القدم الوطنية، ويقدّمون للعالم صورة مشرقة عن جيل جديد من الشباب المغربي الذي لا يعرف المستحيل. إنهم لا يلعبون فقط من أجل الفوز أو المتعة، بل يحملون على أكتافهم رسالة وطنية عميقة مفادها: الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الحقيقي في مستقبل الوطن.

لقد قدم هؤلاء الفتيان درسًا بليغًا لكل من ما زال يشكك في أهمية الاستثمار في الرياضة، ولكل من يرى في احتضان التظاهرات القارية والعالمية ترفًا أو تبذيرًا. فهؤلاء الأشبال الذين يرفعون راية المغرب في ملاعب الشيلي هم ثمرة رؤية ملكية سديدة، تؤمن بأن الرياضة ليست فقط منافسة أو شهرة، بل مدرسة لتربية الأجيال على الانضباط، وروح الفريق، والثقة في النفس، والإصرار على بلوغ الهدف.

لكن الرسالة التي يوجهها أشبال المغرب اليوم، تتجاوز المستطيل الأخضر لتصل إلى عمق النقاش المجتمعي حول الاستثمار في الإنسان المغربي بكل أبعاده: في الرياضة، كما في التعليم، والصحة، والتشغيل.

حين نرى أشبالنا يقارعون الكبار بإصرار وعزيمة من قلب الشيلي، ندرك أن كل درهم يُستثمر في البنية الرياضية، في التكوين، وفي الرعاية النفسية والاجتماعية للشباب، هو درهم يُستثمر في بناء الثقة والأمل والانتماء.
فالرياضة تُعيد للمواطن إحساسه بالكرامة والاعتزاز، وتزرع في الشباب روح المسؤولية والتحدي. ومن خلالها تُبنى مجتمعات متماسكة وشعوب قادرة على التنافس في مجالات أوسع من الميدان الرياضي.

المنطق نفسه ينطبق على التعليم. فكما نحتاج إلى ملاعب ومراكز تكوين حديثة، نحتاج إلى مدارس ذكية، ومدرسين محفزين، ومناهج تُخرّج جيلاً مبدعًا لا متلقيًا.
جيل “Z” المغربي أثبت أنه يمتلك طاقات فكرية ومهارات رقمية قادرة على إحداث التحول المنشود في المدرسة العمومية والجامعة الوطنية، فقط إن وجد بيئة داعمة تُشبه تلك التي نُهيّئها اليوم للرياضيين الناشئين.

كما لا يمكن لرياضي أن يبدع دون بنية صحية قوية، لا يمكن لمجتمع أن ينهض دون منظومة صحية تضمن له العيش الكريم.
فالاستثمار في المستشفيات، في التغطية الصحية، وفي الكفاءات الطبية، هو استثمار في القدرة الوطنية على الإنتاج والعطاء.
كل درهم يُصرف في الصحة هو درهم يُستعاد مضاعفًا في الإنتاج، وفي جودة الحياة، وفي خفض التكاليف الاجتماعية.

أما التشغيل، فهو التتويج الحقيقي لمسار الاستثمار في الإنسان. فالشباب المغربي الذي يتألق اليوم في الملاعب، وفي المعاهد، وفي المبادرات الجمعوية، لا يطلب المستحيل، بل فقط فرصة عادلة ليترجم كفاءته إلى مشروع حياة، ويُسهم في بناء وطنه بكرامة.

من الشيلي، يُرسل أشبال المغرب رسالة إلى الداخل:
امنحونا الثقة كما منحناكم الفخر، افتحوا لنا أبواب الأمل في كل الميادين، فكما نجحنا في الكرة، يمكن أن ننجح في الصحة والتعليم والابتكار والصناعة.
ما نحتاجه هو إيمان جماعي بقدراتنا، وسياسات عمومية جريئة تراهن على الإنسان المغربي، لا على الأرقام والشعارات.

إن ما يحققه جيل الأشبال اليوم ليس مجرد إنجاز رياضي، بل هو رمز لتحول ثقافي واجتماعي عميق.
جيل وُلد في عالم سريع التغير، لكنه اختار أن يُعبّر عن مغربيته من خلال الإبداع لا الفوضى، ومن خلال الإصرار لا اليأس.
جيل يطلب فقط أن يُمنح الحق في الحلم، وأن يجد مؤسسات تؤمن به، لا تُحبطه.

فلتكن رسالة الشيلي دافعًا لنا جميعًا — دولة ومجتمعًا — لنراجع أولوياتنا، ولنجعل من الاستثمار في الإنسان المغربي قضية وطنية جامعة، لأن الرياضة والتعليم والصحة والشغل ليست قطاعات متفرقة، بل خيوط نسيج واحد يُبنى به مستقبل المغرب.

ومن قلب الشيلي إلى قلب المغرب، يصدح صوت الأشبال:
“نحن أبناء هذا الوطن، نريد أن نحلم، أن نرفع رايته، وأن نصنع أمجاده… فقط أعطونا الفرصة، وسنغلب الحاقدين بحبنا لوطننا.”

▪︎بقلم : عبد الهادي فدودي :مهثم بالشأن الرياضي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى