
زيارة خاطفة
حسن لحمادي
ما يحز في النفس وانت تزور شاطئ المحمدية الذي يحتضن الجميع وبدون استثناء، هو زحف مظاهر التلوث رغم الجهود المبذولة صباح مساء في مدينة انجبت كبار اللاعبين من بينهم المرحوم احمد فراس وعدد من المبدعين والمثقفين والفنانين التشكيليين، كما شكلت مدينة افضالة مصدر افتتان والهام الفنان العالمي جاك بريل حيث رأت النور عدد من اغانيه هنا في هذه المدينة الساحرة تم سافر هذا الريبيرتوار الغنائي المحمل بنسائم الحرية والمشاعر الفياضة عبر المعمور قبل ان ينتقل الى جزر الماركيز هربا من ضوضاء الحداثة والاضواء الكاشفة. بين الامس واليوم تغيرت العقلية في التعاطي مع البحر ورماله الذهبية في عز النهضة الثقافية والفكرية والرياضية التي عرفتها المحمدية قبل زحف متلاشيات اليوتوب ومروجي مظاهر التفاهة .. واليوم هناك عقلية اخرى تعبث بهذه الذاكرة الجماعية الغنية بالمعاني والأحداث، مواطنون كبار وصغار رجال ونساء وللتخلص من الرمل العالق في الاقدام يستعملون قارورات الماء، بعد ذلك يلقون بالمواد البلاستيكية في الشاطى، آخرون يتناولون حبات دوار الشمس ( الزريعة ) والعلكة (شوينغوم) بوعي منهم، وبالتالي يحولون الفضاء العام والحدائق الى مزبلة، زد على ذلك، بعض المواطنين سامحهم الله يقومون بطمر حفاظات الأطفال وبقايا الاطعمة والفواكه والخضر تحت الرمال، كأن نظافة البحر و البيئة وجمالية الشاطى لا تهمهم.. بالمقابل وتحت شمس حارقة، عمال النظافة منهمكون في إزالة مخلفات المصطافين و بالأطنان، أما رجال الأمن والقوات المساعدة والوقاية المدنية ورجال السلطة واعوانها، بدورهم يسهرون على سلامة المصطافين وهدوء الشاطى، بينما آخرون مرابطون في الشوارع الحساسة لضمان تدفقات سلسة لوسائل النقل تفاديا لحدوث إختناقات مرورية..فالمحمدية لا تشكل الاستثناء، اغلب شواطئ المغرب تئن تحت رحمة التلوث مصدر الفوضى، هو المواطن قبل محاسبة المسؤول، وذلك راجع الى غياب الحس البيئي كثقافة ينبغي ان تكون متجدرة في العقول منذ البدايات الاولى من الطفولة…
نحن مطالبون اليوم أكثر من ذي قبل برفع شعار ” كفى من تلويث الفضاءات العامة” “كفى من الاستهتار” ” كفى من إلقاء اللائمة على الآخرين” ” كفى من الانجاب دون توفير الشروط الكافية لتربية الابناء” .
بناء الإنسان كخطوة أولى يبدأ بغرس الفضائل في نفوس الناشئة وإعادة النظر في منظومة القيم السائدة والاختلالات التي تعتري المنظومة التربوية التي بدورها تستدعي اطلاق نقاش موسع للوقوف عند مكامن الخلل . نحن مقبلون على عالم جديد، عالم متحول، مقبلون على تنظيم تظاهرات عالمية و على مواجهة تحديات كبرى من خلالها سنختبر مدى قدرتنا على تحمل “الآخر الثقافي” ، مدى قدرتنا على التعاطي الإيجابي مع مواطني دول المعمور الذين سيزورون بلدنا لأول مرة. مدى قدرتنا على التكيف مع البيئة الجديدة، سلطة الدكتاتورية الرقمية وزحف الذكاء الاصطناعي.
ينبغي ان نساهم اليوم قبل غد في إعطاء صورة جميلة تليق بالإنسان المغربي صورة عن حسن الإستقبال، صورة عن نظافة فضاءاتنا ومشهدنا الحضري، صورة عن حسن تعامل أصحاب سيارات الاجرة مع الزبناء انطلاقا من المطار الى الفندق ومحاربة الزيادة في التسعيرة، ومضاعفة الجهود المبذولة من قبل الامن الوطني والدرك الملكي لتطويق ظاهرة السرقة بالخطف وتخريب التجهيرات العمومية وإثارة الفوضى في الشارع العام من قبل بعض الطائشين وهم يشهرون سيوفهم في وجه المارة تحت تأثير المخدرات.
يجب ان نسوق صورة حقيقية وبدون زخرفة عن جودة خدمات مقاهينا ومطاعمنا وفنادقنا التي تحتاج هي الأخرى الى المراقبة و (التزيار ) ، الملاحظ أن أصحاب هذه المحلات والفضاءات بعضهم يضرب عرض الحائط مبدأ التجارة الحرة نتيجة غياب الضمير المهني وسيادة مظاهر الجشع والأسعار المرتفعة للوجبات والمشروبات وغياب النظافة داخل المطبخ واهمال الحالة الصحية للعاملين في الطهي. قطاع يعرف اليوم فوضى بتواجد اشباه المهنيين الذين يتطاولون على هذا القطاع الحساس بدون تكوين، والاستهتار بصحة المواطنين باستعمال مواد منتهية الصلاحية او مجهولة المصدر، وبالتالي يعمقون جراح مهنة المطعمة والاكلات الخفيفة، وهو ما يثير تدمر المستهلكين رغم الحملات التحسيسية التي تقوم بها الفيدرالية الوطنية لمهن الفم في صفوف المهنيين وتدخلات السلطات المحلية والمصالح المختصة. ورغم ذلك يغيب الحس الحقيقي بالمواطنة وبالمسوولية عند البعض، والسبب هو الرغبة الجامحة في جمع المال بسرعة ضدا عن القانون.
فحب الوطن يبدأ بإحترام الآخر والحرص على نظافة فضاءاتنا واستحضار الروح الجماعية التي شكلت لقرون من الزمن مصدر تماسك وتضامن الشعب المغربي. في الختم يجب اعادة النظر في سلوكياتنا اليومية التي تشوبها احيانا بعض مظاهر العنف و العدوانية على طرقاتنا اثناء الجلوس امام المقود في خرق صارخ لقانون السير.
لنساهم جميعا في الرفع من الوعي الجماعي وتخليق الحياة العامة.