أصيبت الديمقراطية المغربية الفتية بانفلوانزا قديمة جديدة تمثلت في لجوء عدد من المستشارين الجماعيين الى رحبة البيع والشرا ، لأجل توظيف أصواتهم في تشكيل مكاتب هنا وهناك ، وإذا كان المواطنون قد صوتوا لهذا المستشار او ذاك ـ خاصة في المناطق القروية حيث الانتخابات تجري فردية ـ ، فإن هؤلاء المستشارين الجماعيين الفائزين ، وبمجرد فوزهم شرعوا في البحث عن ” بيع الساروت ” ، فقد وصل ثمن مستشار جماعي في إحدى البوادي الى 100 مليون سنيتم ، وعندما كثفت بحثي المتواضع وجدت ان الجماعة القروية التي تجري فيها معالم هذه الصفقة ، هي جماعة قروية تصل ميزانيتها السنوية الى 100 مليون سنتيم ، وهنا يتبادر سؤال ساذج يطرحه من لا يفقه في السياسة على النمط المغربي شيئا ، وماذا سيجني هذا الرئيس الذي اشترى رئاسة تلك الجماعة القروية بما يعادل ميزانيتها ؟ ، فإن كان لصا وهذا هو الأصل فعليه ان يسرق الميزانية كلها في سنته الأولى ، ليسترجع رأسماله ، وتبقى له ميزانية السنة المقبلة لتعوض له مصاريف الحملة وما قدمه للناخبين من رشاوى وما أقامه من زرود ، ثم لا يستفرد بالميزانية لنفسه إلا في السنوات الاربع المتبقية ،إن نجا من سيف المجلس الاعلى للحسابات ، وإن كان له ظهر ـ في الرباط ـ يقيه صهد المتابعة والمراقبة .
ظاهرة اختطاف المستشارين الجماعيين في المناطق النائية ، وظاهرة احتجازهم وظاهرة عرض هؤلاء المستشارين أنفسهم للبيع ، تسيء للديمقراطية ، وتسيء لحقوق الانسان وتضر بارادة الشعب ، وتؤكد أن ورم الفساد قد استشرى في العقل الباطي لهذه الامة ، فلا القانون استطاع ان يحد من حدة اشتغال هذه الكائنات التي تخرب حاضر الامة ومستقبلها ، ولا الخطاب الملكي استطاع ان يصد هؤلاء الفاسدين المفسدين عن غيهم ، ماذا عسى المواطن ان يستخلص من دروس وعبر بعد هذه المهازل ؟، سيقرر مقاطعة الانتخابات البلدية المقبلة ، عندما سيكتشف ان صوته يحوله المستشار الجماعي الى كنز يعرضه للبيع ويكتب على ظهره “مستشار جماعي للبيع ، صوته حاسم في تشكيل مكتب يحكم قبضته على ميزانية الجماعة لست سنوات ” ، ويضيف هذا المستشار الجماعي عبارة ” اللي باع نيس واللي شرا طمع ، لا ارد المبالغ الى صاحبها اذا لم ينجح في منصبه ” .
ما يحز في النفس هو ان السلطة المحلية هي على علم بسوق النخاسة هذه ، ولا ادري هل عدم تحركها سببه تعليمات موجهة إليها بالسهر على جعل الفساد يتجدر ، أم ان القانون لم يمنحها سلطة اتخاذ اي قرار في حق هاته الديدان ، أم أنها بما أوتيت من سلطة لا تعلم بما اعلمه أنا المواطن البسيط ، وهذا ضرب من العبث ، فالسلطة المحلية على علم ، ووزارة الداخلية على علم ، وزارة العدل على علم ، والنيابة العامة على علم ، والساكنة على علم ، والكل على علم ، والديمقراطية الفتية مصابة في الخصر ، وقد أصابها من ستقوده الديمقراطية الى نهايته ، فللديمقراطية أعداؤها ، وللنجاح أعداؤه ، وللعدل خصومه ، وللحق أعداؤه ، وواهم من يعتقد ان كل الناس شغوفة باستنشاق هواء الحرية والاستقلالية والكرامة ، فهناك قوم يستثمرون في جهل غيرهم ، وفي أمية غيرهم ، وفي فقر غيرهم ، وفي ظلم وتهميش غير .
كتب على هذا الشعب ان يعيش فصول شراء الأصوات وشراء الكراسي وشراء الأحكام وشراء الوظائف وشراء الصفقات وشراء الوثائق من الإدارات ، مثلما يشتري خروف العيد ومثلما يشتري الجوارب والأحذية واللوازم المدرسية واللحم والخضر والدواء ، وتبقى السلطات تتأرجح بين الداعم للفساد حينا اعتقادا منها انها قد تخلق التوازن بالمفسدين الفاسدين ، وهؤلاء نقول ان لهم مثال في ما يحدث لدول اختارت الشعب ليكون عدوا لها ، وبين المتدخل هنا وهناك بشكل محتشم ، وتبقى مهمة الإصلاحيين المغاربة عشاق هذا الوطن بإخلاص ، هي تشريع قوانين تقطع على هؤلاء المستشارين عملية البيع والشرا ء ، وهناك أكثر من حل وأكثر من طريقة ومن وسيلة لتجفيف منابع هذا الريع القبيح ، لعل أبرزها جعل انتخاب مكاتب الجماعات والبلديات بالاقتراع المباشر ، فالمواطن قادر على انتخاب مكاتب ستتحكم في بيئته وصحته وتعليمه لست سنوات ،ولن يخسر احد شيئا مادامت هذه الانتخابات هي من مال هذا الشعب .