مشاتل الدار البيضاء تنتعش في ظل الحجر الصحي

رشيد العمري (و م ع)

0

لم يكن من السهل على ساكنة مدينة نشيطة، ليلا ونهارا، أن تنصاع لمقتضيات الحجر الصحي، غير أن مجابهة انتشار فيروس كروونا المستجد فرض على الجميع نكران الذات، والتفكير في المصلحة العامة للوطن، من خلال تنفيذ تعليمات الحكومة بهذا الخصوص، لتجاوز المرحلة بأمان.

إكراهات الحجر الصحي لم تمنع هذه المدينة من إبداع أساليب ومبادرات تخفف عن الساكنة وطأة الحجر، فكان أن اختار العديد من البيضاويين استثمار مهاراتهم في الاهتمام بالنباتات، والمساحات الخضراء، لتزيين الفضاءات والأحياء، وتوفير أماكن تبعث على الطمأنينة بفضل جماليتها ورونق مغروساتها.

عناية بالفضاءات والمساحات الخضراء، سواء بأسطح المساكن أو بجنباتها أو بالحدائق المجاورة لمحيطهم السكني، بعثت في نفوس المهتمين روحا عالية من أجل الحفاظ على المجال الإيكولوجي، الذي استعاد أهميته وأصبح في الواجهة خلال زمن كوفيد 19.

وتزايد الإقبال، خلال هذه الفترة العصيبة، على اقتناء الأزهار والورود والشجيرات، وكذا النباتات العطرية والطبية، وخاصة منهىا تلك المعروفة بمساهمتها في تقوية مناعة في الجسم، مما جسد حسا عاليا في إيجاد مساحات للإبداع وخلق مجال لتربية الذوق وتحسين مظاهر الحياة، بفضل الروائح الزكية وطبيعة الألوان المريحة والمهدئة للجسم عموما، ولحاستي البصر والشم على الخصوص.

ويقول يوسف، أحد المولعين بالنباتات، أن تجربته الطويلة، التي انتقلت من مجرد هواية، في البداية، إلى ولع غير محدود، أكسبته خبرة وجعلته يمتهن حرفة البستنة، ويختص في إعداد المشاتل، وفي بيع مختلف الأدوات وآليات ذات الصلة بعالم الطبيعة النباتية، مشيرا إلى أن التفنن في صناعة المزهريات قطع أشواطا كبيرة، حيث ابتكرت في الآونة الأخيرة أشكال جديدة تم الجمع فيها بين طبيعة الألوان الزاهية والأشكال الهندسية الجذابة.

وأضاف أنه من خلال الزبناء المتوافدين على محله التجاري (المشتل) من مختلف الأعمار والأجناس، اكتشف أن الفضول تزايد بشكل ملفت للنظر لدى هؤلاء الأشخاص الذين يستفسرونه عن أدق التفاصيل المتعلقة بالنباتات، بما في ذلك سبل الحفاظ على اخضرارها وتجنيبها الأمراض والعدوى والحشرات والقوارض والنباتات والأعشاب الطفيلية، وكذا كيفية استعمال الهرمونات الطبيعية في المساعدة على إنبات الجذور وتكثيف أوراق العقل.

ومما يبعث عن الارتياح – في نظره – أن الاهتمام باستعمال الأسمدة العضوية الحيوانية للحصول على منتوجات ذات حيوية عالية “BIO” تزايد، وهو أمر جيد، بالنسبة إليه، لأهميته في تحقيق مزيد من الفائدة خاصة على مستوى الصحة والسلامة، كما تزايد الطلب في الوقت ذاته على الأتربة المستخلصة أو المغذاة أساسا من بقايا وقشور الخضر والفواكه ومخلفات النباتات وأوراق الأشجار المتساقطة ضمن التدابير والإجراءات المعتمدة لحماية للبيئة.

ومما آثار اهتمامه، أيضا، أن البعض من المتبضعين جعلوا من فيديوهات المواقع الاجتماعية والقنوات التلفزيونية المتخصصة ملاذا لاستكشاف سحر الطبيعة الخضراء، حيث عادة ما يفتح النقاش حول جملة من التجارب التي سلكها خبراء من مهندسين وتقنيين زراعيين من أجل الرفع من الإنتاج بصحة جيدة وبأقل تكلفة، من قبيل استعمال أدوات السقي بالتنقيط والبيوت البلاستيكية واعتماد آليات التنقيح والتلقيم لاستخلاص أنواع جديدة من بذور وعقل الأزهار والنباتات.

وتابع أن منهم من ذهب إلى أبعد من ذلك، بإحداثه “قناة إذاعية” عبر اليوتوب لتقاسم تجاربه مع المبتدئين وللاحتكاك بمهارات وحنكة الرواد السباقين في هذا المجال سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، موضحا أن هذا العالم النظيف يشهد يوما بعد يوم تطورا كبيرا في مواكبته لما تقدمه التكنولوجيا الحديثة من خدمات جليلة ومتنوعة.

وساعد هذا الشغف لدى المهتمين على الدفع بإعادة تدوير النفايات، بالعمل على توظيف جملة من الأدوات المستعملة، بما في ذلك إطارات العجلات المطاطية وبقايا القنينات وغيرها، في شكل تحف حرص مستعملوها على تقديمها في قالب ذي لمسة فنية لاستيعاب مختلف الشتيلات المعدة للإزهار، خاصة بداخل البيوت والفضاءات المهنية.

وتشجيعا على مثل هذه الإبداعات في زمن الكورونا، قررت جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بالمغرب وشركاؤها (الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الدارالبيضاء-سطات ومؤسسة “ليديك”) تنظيم مسابقة تربوية بيئية مفتوحة في وجه العموم ، لاسيما في صفوف الأساتذة والطلبة والتلاميذ، بهدف اختيار أحسن مبادرة بيئية تحت شعار “كن مبدعا في بيتك”.

وفي هذا الصدد، أوضح عبد الرحيم كسيري رئيس الجمعية، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المشاركة تتم عبر البعث للجمعية، قبل 25 ماي الجاري، بفيديو قصير من 2 إلى 5 دقائق، يوثق للمجهودات المبذولة لإنجاز هذا المشروع الفني والبيئي، ويحمل بين طياته تعبيرا عن مشاعر من يقف وراءه وبسطا لطبيعة النتائج المحصل عليها.

ومن المواضيع المقترحة في هذا الباب، للظفر بجوائز مالية تتراوح قيمتها ما بين ألف و10 آلاف درهم، هناك عرض نماذج ابداعية للتقليص من النفايات وإعطائها حياة جديدة ، وغرس المزيد من النباتات وأزهار الزينة بما فيها المعطرة و المغذية والطبية، أو تأليف وتصوير فيلم حول السلوكات البيئية لصاحب المشروع.

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.