سفينة “سيدنا العثماني”

لا تسير الرياح بما تشتهي التجربة الديمقراطية المغربية المزعومة ، هناك ردة عنيفة إلى الوراء ، فأن يعفى رئيس الحكومة المعينبنكيرانمن مهمته وكأنه هو المسؤول عنتعثردام أكثر من خمسة أشهر، وأن يعينالسيدالعثماني بدلا عنه فتتشكل الحكومة في أقل من أسبوع ، بل وأن يجد الطبيب النفساني وصفة الدواءالملائم لتشكيلها فوق مكتب عيادته ، كل هذا يعني أننا نتفرج على عرض للدمى متحركة تحركها أياد خفية نافذة، وأن “لفراجةيالهبدات” .
لا أحد ينكر أن المُغتال“سياسيا “عبد الإلهبنكيرانكان له الفضل الكبير في إرجاع شيء من المتعة والمصداقية للعمل السياسي ، هو من أضفى على الفعل السياسي طرافة و هالة ، ومزج السياسة ب“القفشاتالبنكيرانية“، التي عجلت بصلح بين المواطن والسياسة، لا أحد ينكر أنبنكيرانساهم بقدر كبير في إخراج الوطن إلى بحر الأمان من رياح الربيع العربي البريء من كل أوصاف المؤامرة كما يصفه أعداء الشعوب ، لا أحد يمكنه أن ينفي أنبنكيرانأزعج عفاريت الفساد ، وأغضب تماسيح الريع ، وكان بحق رجلا صادقا ونزيها ونظيفا ، فإن أخطأ الرجل فهذا طبيعي ، فجل من لا يخطئ ، لكنه أبدا لم يجمع مالا لبدا من عرق الشعب ، وحتى عندما تم تدبير خطة التخلص من صوته المزعج، والحد من نجمهالآخذ في البريق ،كانت الخطة على مرحلتين ، مرحلة ما قبل الانتخاباتحيث تم توظيف “فو جوك ” وهو السيد إلياسالعماري، الذي لعب دور أرنب سباق ، وبعد أن فشل في انتزاع الصدارة رغم ما قدم لحزبه من دعم ، جاءت مرحلة بعد الانتخاباتحيث تم استبدال المنافسالعماريوجراره ، واستقدام أخنوش بحمامته الزرقاءوثروتهالطائلة،عساهيوقف زحف “عبدالالهوالمصباح السحري”، واستطاعاخنوشانيجمع حوله رهط من رؤساء ما تبقى من أحزاب ، ليشهر ورقة “الارادةالشعبية في مواجهةارادةمالينالوقت ” ، حينها أدركبنكيرانأن أجله قد اقترب ، وهو ما عبر عنه فياكثرمن تصريح ، من أنه عازم على إرجاع المفاتيحالىالملك ، ومن أنه انتهى الكلام .
كانت البداية ببلاغ للديوان الملكي قضىباعفاءبنكيران، بدونانيستند البلاغ المذكورلايفصلصريحمن فصول الدستور ، وحتى الفصل 47 المشاراليهيشيرالىالملك وليسالىالديوان الملكي ، وجاء تعيين سعد الدين العثماني بديلا ، وخرج سعد الدين من القصر الملكي وقد شكل حكومته ، فيكفيه الرضوخ لشروطاخنوشليطوي صفحة التعثر ، وبات العثماني قاب قوسين أو أدنى من إنهاء مهمته في أقل من أسبوع وهي المهمة التياستعصت علىبنكيرانقرابة نصف سنة ، لكن الحقيقة التي يتحاشى أشباه المحللين من جامعيينوأكادميينمنافقينو مشعوذين، هي أنبنكيرانتم إفشال مهمته مع سبقالإصراروالترصد ،وتم سوق الرجل نحو الفشل ،وسعد الدين تم تعبيد طريقه بل وتم دفعه للنجاح دفعا ، وطبعا مع شيء منالتبريرات الخاويةمن كون السياسة تقتضي التنازلات ، ومن أن شروطبنكيرانانتهت مع هذاالأخير، ومن أن لكل حقبة رجلها ، يبدو أن سعد الدين العثماني بنا سفينة حكومته ، التي سيركب فيها جميعالأحزابباستثناءالبامالمنتهية صلاحيته ، والميزان الذي فقدتوزانكفتيه ، وستكون حكومة سعد الدين أمام ظل معارضة .
الخلاصة من دروس تعثر ثم تشكيل الحكومة هي أننا كمغاربة حالمين بكرامة وحرية نابعة من روح الدستور صار حلما وتبخر ، وأننا سنعيش ولسنوات أخرى تحت رحمة الديمقراطية الممنوحة ، والكرامة في شكل هبة أو صدقة ، والحرية المحددة في سقف مكاني وزماني محدودين ، والخلاصة أن الشعب سيخاصم عملية الاقتراع من جديد ، بعدما تبين له أن من طردتهم إرادته الشعبية هم من انبروا لحكمه وتدبير شأنه ، سواء في رئاسة بعض الجهات ، أو في الحكومة ، فما جدوى “شدانالصف” والتصويت وانتظار النتائج ، مادامت تلكالارادةالشعبية غير محمية دستوريا ، ويكفي أن شخصا واحدا نافذا يمكنه أن يفرض على الشعب وزراء هو لهم كاره،وهم عليه ناقمون.