ثقافة و فنون

الدار البيضاء..طيف عبد الرحيم بوعبيد في سماء سيدي مومن

أبو نضال

تخليدا لذكرى رحيل عبد الرحيم بوعبيد، أحد الموقعين على وثيقة المطالبة باستقلال المغرب سنة 1944، نظمت الشبيبة الاتحادية فرع سيدي مومن تحت إشراف مكتب الفرع لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وبتنسيق مع الكتابة الإقليمية الحي المحمدي عين السبع البرنوصي بالدارالبيضاء، لقاء مفتوحا في موضوع:” القيادات التاريخية للاتحاد والقضايا الوطنية؛ من معركة الاستقلال الى تحديات الوحدة الترابية”، مؤخرا، بالمركب الثقافي ابوعنان بشارع الوحدة الأزهر سيدي مومن.

اللقاء أطره كل من الأستاذة فتيحة سداس نائبة برلمانية وعضوة المكتب السياسي للحزب، والدكتور كمال الهشومي أستاذ باحث وعضو المجلس الوطني للحزب، بحضور شبيبي كبير من مختلف فروع جهة الدار البيضاء سطات، إضافة الى حضور مجموعة من القيادات الحزبية محليا وجهويا ووطنيا، وهو اللقاء الذي تميز بمتعة خاصة من خلال سرد وتوضيح مختلف المبادرات والمواقف للقيادات والهامات الاتحادية الأصيلة خلال مسيرة الكفاح لاستقلال البلاد، مرورا بالعمل على دمقرطة المجتمع، وانتهاء بملف الوحدة الترابية للبلاد…
وكان للحضور موعد خاص مع المداخلة القيمة لفتيحة سداس تمحورت حول مسار قيادات الاتحاد الاشتراكي والمشروع المجتمعي، من خلال شخصية القياديين عبد الرحيم بوعبيد والمهدي بن بركة، كنموذج لمناضلين من طراز كبير، من خلال بسط تصوراتهم للمغرب الديمقراطي والحداثي، ومداخلة كمال الهشومي في موضوع المواقف التاريخية لقيادات الحركة الاتحادية (عبد الرحيم بوعبيد، المهدي بنبركة، عبد الرحمان اليوسفي، عبد الواحد الراضي…) ومدى استلهامها لأخذ الدروس والعبر من اجل مستقبل المغرب الديمقراطي.

حيث اجمع المتدخلان على اعتبار الفقيد عبد الرحيم بوعبيد ( 1920 – 1992 )، والذي يعتبر من اصغر الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال في 1944 الى جانب المهدي بنبركة، من السياسيين المغاربة الذي طبعوا تاريخ المغرب المعاصر بحضورهم المتميز وشخصيتهم القوية خدمة للصالح العام.
واكدت سادس ان القائد الاتحادي انخرط باكرا في معركة الاستقلال في نهاية الثلاثينات من القرن 20، وقاد المظاهرة الشهيرة بسلا يوم 29 يناير 1944، التي سقط خلالها عدد من القتلى الشهداء وانتهت باعتقاله والحكم عليه بالسجن سنتين، كان من ضمن السجون التي وضع في زنازينها، سجن لعلو، الذي عاد إليه من أجل قضية الصحراء في شتنبر 1981. وهو أول اعتقال خلال عهد الحماية، وقد كان من أقوى المدافعين على بناء الدولة المغربية على أسس من الحرية والكرامة والديمقراطية، كما كان له دور كبير في كل المحطات الكبرى التي عرفتها بلادنا، ما قبل الاستقلال وما بعده، سواء كمفاوض مع الحماية الفرنسية لتحرير الاقتصاد الوطني من التبعية لفرنسا، أو كنائب لرئيس الحكومة ووزيرا للاقتصاد والمالية في حكومة عبد الله إبراهيم (1958 – 1960)، حيث كان دائما نموذجا في التضحية والإخلاص لقضايا الشعب الأساسية المتمثلة في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

وبخصوص قضية الصحراء المغربية، فقد اكد الهشومي، بأنها ظلت محورية في مسار بوعبيد سياسيا، وهو الذي كان من أوائل القادة السياسيين المغاربة، من المعارضة، الذي لم يكن متحمسا في الستينات لقضية “مغربية موريتانيا”، كما كان له التزام صارم في ما يرتبط بالدفاع عن ملف الصحراء، التي كان فيها رهن الإشارة كلما اتصل به القصر للمشاركة في وفود مغربية رسمية، أو كمبعوث شخصي للملك إلى عواصم عالمية وازنة، رغم ظروف القمع والمواجهة السياسية مع الدولة، لم يكن يتردد في السفر باسم الدولة المغربية للدفاع عن قضية الصحراء.
المداخلتين أبرزتا أن المهدي بنبركة كقائد وطني تزعم حزب الاستقلال خلال الأربعينات خلال غياب الزعيم علال الفاسي، وشارك في محادثات “ايكس ليبان”، كما انتخب رئيسا للمجلس الوطني الاستشاري سنة 1956.

عبد الواحد الراضي، أحد المؤسسين لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عام 1959، تقلد مسؤوليات قيادية بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب، حيث انتخب كاتبًا عامًا لفيدرالية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بفرنسا في الفترة ما بين 1958 إلى 1960، وساهم في تأسيس فيدرالية طلبة شمال إفريقيا، انخرط مبكرًا في العمل السياسي، كما شارك في العديد من المنظمات السياسية، وتقلد مسؤوليات عديدة في ذلك، إذ انتخب الراضي عضوًا في المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي عام 1962، ثم عضوا في لجنته الإدارية عام 1996، وأصبح عضوًا بالمكتب السياسي لحزب منذ عام 1989. كما شغل مسؤولية نائب للكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي سنة 2003، وغدا كاتبا أول في سنة 2008، ولج قبة البرلمان المغربي لأول مرة سنة 1963، وكان حينها أصغر نائب في تاريخ المغرب.

ومن القيادات التي كان لها دور كبير في الحركة الوطنية، والتي ركزعليها كمال الهشومي في مداخلته كذلك، المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، معتبرا انه طبع مسار الاتحاد الاشتراكي، منذ توليه زعامته خلفا للراحل عبد الرحيم بوعبيد، ببصمات غلب عليها النقد الذاتي والواقعية والطموح، إذ في عهده صوت الاتحاد الاشتراكي للمرة الأولى لفائدة الدستور المعدل لعام 1996، مما أفسح المجال أمام ردم الهوة التي كانت تبعده عن الحكم، فقد كان الحسن الثاني يتساهل في كل شيء عدا اتخاذ مواقف سلبية من التعديلات الدستورية، والحال أن اليوسفي أفاد من انفتاح النظام على المعارضة وبادله التحية بأحسن منها، مؤكدا أن الراحل الحسن الثاني ظل يفاخر بأن الرجل الذي صارع نظامه بشدة، هو نفسه الذي يتحمل مسؤولية الوزارة الأولى كمدافع عن الخيار الديمقراطي وقيم الانفتاح واحترام حقوق الإنسان. وهو الذي كان على اقتناع عميق في قضية المرأة بأنه لا يمكن لهذا البلد التقدم ونصفه معطل أو مقموع، مبرزا في حديثه أن تعيين السي عبد الرحمان وزيرا أولا شكل حدثا وطنيا ذا بعد دولي، حيث تفاعلت معه الدول الكبرى، التي بعث رؤساؤها رسائل التهنئة إلى ملك البلاد وإلى اليوسفي، منها الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، بلجيكا وغيرها من الهيآت والمؤسسات، وكذا عدد وافر من الديمقراطيين وأنصار حقوق الإنسان عبر العالم. حيث كان توليه مسؤولية رئاسة الحكومة، كمعارض بارز، سابقة في العالم العربي، وكان من الأحداث السياسية الكبيرة على المستوى الإفريقي.

ومن بين ما يحسب لليوسفي حسب الهشومي طوال توليه مسؤولية رئاسة حكومة التناوب، الإصلاحات الكبرى على مستوى المنظومة القانونية والمالية والاقتصادية، الانفتاح الكبير على مستوى الحريات والحقوق، مسار الإعفاء العام على المعارضين والمنفيين، تخفيض الديون الخارجية المغربية من 26 مليار الى 14 مليار في خمس سنوات، تأمين انتقال العرش بكل سلاسة…، ليعتبر بذلك أن تجربة التناوب التوافقي كان لها وقعا كبيرا على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد…، بالرغم من الإرث الثقيل والسكتة القلبية التي كان سيعرفها المغرب…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى