غدا تنطلق إعادة محاكمته : حامي الدين يروي تفاصيل مقتل آيت الجيد

على هامش انطلاق اعادة محامته غدا بغرفة الجنايات بفاس تعود كازاوي الى تصريحات حامي الدين خلال ندوة صحافية عقدها في مارس 2018، بعدما وجه إليه قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس استدعاء للاستماع إليه في قضية مقتل الطالب اليساري، بنعيسى آيت الجيد، قدم عبد العلي حامي الدين، برلماني العدالة والتنمية، عدة معطيات حول هذا الملف الذي جرى تحريكه من جديد. وهذا أبرز ما قاله:
كان لا بد أن أتحدث اليوم لكي أقول إنه منذ ست سنوات وأنا أعاني بسبب حملة إعلامية ممنهجة منسقة تُروج اتهامات جنائية في حقي، وبشكل متكرر، وهي الاتهامات التي ترمي إلى إدانتي شخصيا بتهمة جنائية لا صلة لي بها، وتحاول أن تنال من شرفي الشخصي. ست سنوات وأنا ألزم الصمت لأنني أعتبر أن الحقيقة هي أقوى من أي كلام، وأعرف جيدا من يقف وراء هذه الاتهامات المغرضة وحملات القذف والكذب ونشر البهتان.
يتعلق الأمر بمحاولة إحياء ملف يعود إلى سنة 1993، أي منذ ربع قرن، رغم وجود عدة أحكام قضائية ومقررات حائزة قوة الشيء المقضي به، وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول من يقف وراء إثارة هذه القضية في هذا الوقت بالضبط.
اليوم لن أناقش براءتي من هذه الأحداث، لأن الرواية الحقيقية هي أنني بريء براءة الذئب من دم يوسف من هذه الأحداث جملة وتفصيلا، ولأن الرواية الحقيقية هي أنني ضحية لاعتداء تعرضت له في باب كلية الحقوق في شهر فبراير 1993، نقلني على إثره إلى المستشفى أستاذ جامعي جليل اسمه الدكتور محمد العويني، وهو أستاذ بكلية العلوم. هذا الأستاذ هو الذي أنقذني من الموت، وكان يمكن أن أكون ميتا مثل المرحوم بنعيسى آيت الجيد اليوم، لكن الله أراد شيئا آخر، فنقلت إلى المستشفى وأجريت لي عملية جراحية مستعجلة على الرأس، وبعد ذلك سأتعرف لأول مرة على المرحوم بنعيسى في المستشفى. أقسم لكم بالله أنني لا أعرفه ولم يسبق لي إطلاقا أن قابلته حتى رأيته بالمستشفى حينما أُوتِي به وهو مصاب أيضا، وهذه هي الرواية الحقيقية، ولكن لا أريد أن أدافع الآن عن البراءة، أريد أن أقول لكم إن هناك حكما قضائيا صدر يوم 4 أبريل 1994 يقضي بإدانتي شخصيا بسنتين حبسا نافذا قضيتها بالتمام والكمال. هذا الحكم القضائي أصبح حائزا قوة الشيء المقضي به، بعدما استكمل جميع مراحل التقاضي، وبعدما قررت أيضا محكمة النقض رفض جميع طلبات النقض، بما فيها الطلبات التي تقدمنا بها. التهمة التي وجهها إلي السيد قاضي التحقيق سنة 1993 هي التهمة نفسها التي يروجونها اليوم ويسعون إلى تثبيتها، وهي جناية الضرب والجرح المفضي إلى الموت دون نية القتل. هذه هي التهمة التي وجهها السيد قاضي التحقيق، لكن المحكمة، بعد استماعها إلى الشهود وكافة المعطيات، قررت في حكم قضائي أن تُكيف هذه الجريمة أو هذه التهمة على أساس أن تؤاخذ المتهمين حامي الدين عبد العلي، وعمر الرماش، والحديوي الخمار، الذي يُراد له اليوم أن يُصبح شاهدا «محايدا» في هذه القضية، بجريمة المشاركة في مشاجرة ارتكب أثناءها عنف أدى إلى وفاة، طبقا للفصل 405 من القانون الجنائي عوض الفصل 403 السابق، ومعاقبة كل واحد من الثلاثة بسنتين حبسا نافذا. هذا هو الحكم النهائي الذي أصدرته المحكمة وأصبح حائزا قوة الشيء المقضي به. في 2005، ذهبت إلى هيئة الإنصاف والمصالحة لأنني مقتنع ببراءتي، ولأنني مقتنع بأن اعتقالي كان اعتقالا تعسفيا خارج نطاق القانون، ولأنني أملك من الأدلة التي أدليت بها إلى المحكمة ما يبرئني، بما فيها شهادة الشاهد (الأستاذ الجامعي)، وشهادة جميع الذين كانوا حاضرين في ذلك اليوم. قامت هيئة الإنصاف والمصالحة بعملها، وأصدرت مقررا تحكيميا قضت فيه بأن اعتقالي مدة سنتين كان اعتقالا تعسفيا. لذلك، يُراد اليوم أن نطعن في أحكام القضاء، وأن نطعن في رصيدنا في مجال العدالة الانتقالية، وأن نطعن في المقررات القضائية، لكي ننتقم من رأس هذا المدعو عبد العلي حامي الدين. إنه العبث القانوني، إنه العبث برصيد شعب وبرصيد أمة من أجل تلبية رغبات البعض ذات الطبيعة السياسية غير النبيلة.
في سنة 2012، أي بعد مرور حوالي 20 سنة على الحدث الأصلي، توصلت النيابة العامة بمدينة فاس بشكاية من طرف بعض الأشخاص الذين يزعمون أن لهم قرابة بالمرحوم آيت الجيد، فحركت النيابة العامة بفاس البحث، وأمرت الضابطة القضائية بالبحث. وبعد البحث والاستماع إلى الشهود، أصدر الوكيل العام للملك قرارا للحفظ بتاريخ 9 مارس /2012 وعلل هذا الحفظ بـ«سبقية البت والتقادم».
طيلة هذه المرحلة، ومنذ شهر غشت 2012، وفي كل مرحلة من المراحل ذات الطبيعة السياسية، وأثناء أي استحقاق تنظيمي للحزب أو استحقاق سياسي تعيشه البلاد، كانت تشن حملة إعلامية في صحف بعينها بطريقة ممنهجة وفي يوم واحد. وهنا لا بد أن أعود إلى سنة 2012 لكي أدلي لكم بشهادة صادمة في رأيي، لكن سوف تؤكدها الوقائع فيما بعد، حينما صدر أول بيان في صيف سنة 2012، حينها اتصل بي أحد الصحافيين من جريدة «الأحداث المغربية»، وقال لي: «صديقي، لا تلتفت إلى هذه الترهات. البيان المنسوب إلى العائلة صدر من مقر حزب الأصالة والمعاصرة في الرباط، لذلك، قررنا في الجريدة ألا ننشره». هذه الشهادة للتاريخ، لكن، فيما بعد، أصبحنا أمام أسئلة شفوية في البرلمان للسيد وزير العدل والحريات سابقا، وأثير هذا الموضوع في مجلس النواب وفي مجلس المستشارين من لدن الحزب نفسه، وأصبحت تُنظم وقفات احتجاجية من طرف أشخاص بعينهم محركين من طرف شخص داخل هذا الحزب، وأصبحنا أمام استهداف مباشر إعلامي وسياسي.
مرة أخرى سوف نفاجأ بشكاية جديدة هذه المرة أمام قاضي التحقيق بتاريخ 8 أبريل 2013، وجهت إلى السيد قاضي التحقيق، الذي، بعد الاطلاع على الملف، أصدر قرارا يقضي بموجبه بعدم فتح تحقيق قضائي نظرا إلى «سبقية البت»، ولأن القرار المذكور «أصبح حائزا قوة الشيء المقضي به». وقضى المجلس الأعلى بسقوط طلب النقض، وأنه لا يستوجب قانونا إجراء المتابعة من جديد، على اعتبار أنه سبق أن توبع المعني بالأمر وحوكم من أجل الأفعال نفسها التي كان ضحيتها الهالك محمد آيت الجيد المعروف ببنعيسى.
السيد قاضي التحقيق لم يستدعي آنذاك إطلاقا، لأن العدالة مبنية على عدم إزعاج أفراد المجتمع بقضايا يمكن أن تكون ذات طبيعة كيدية، إلا بعد التحقق من صحتها، لكن، مرة أخرى بتاريخ 7 يوليوز 2017، ستوضع شكاية مباشرة جديدة أمام السيد قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس، شبيهة بالشكاية التي وُضعت سنة 2013، ومرت شهور قبل أن يوجه إلي استدعاء في يناير 2018. أنا أتساءل: لماذا دائما بنعيسى آيت الجيد؟ ألم يكن في الجامعة المغربية ضحايا آخرون؟ ألم يسقط طلبة آخرون؟ لماذا لا يسأل أحد عنهم وعن قضيتهم، أم إن هذا الملف مذكور فيه حامي الدين؟ لذلك، علينا أن ننتبه إلى أنه إذا سمحنا بهذه الأشياء، فإننا نسمح بتوظيف القضاء لخدمة أغراض سياسية، وهذا ما لا يمكن أن يُسمح به في دولة الحق والقانون. نحن نتحدث عن مبدأ راسخ في العدالة وفي القانون الجنائي، ليس في المغرب فقط، لكن في العالم بأسره، هذا المبدأ هو عدم جواز متابعة أو محاكمة أو معاقبة شخص على الفعل مرتين. نحن أمام انتهاك حق من الحقوق الأساسية في مبدأ التقاضي، وهو عدم جواز الحكم مرتين مع وجود سبقية البت بمقرر قضائي حائز قوة الشيء المقضي به. إن كل ما يتحدثون عنه ليس وقائع جديدة. لقد حُسمت الوقائع الأساسية، واستمع قاضي التحقيق إلى كافة الشهود، وأنجز ما يمكن إنجازه.