هذه هي القصة الكاملة لانفجار مشروع الرمان ببنسليمان

محمد الشمسي
لم تكن زيارة المسؤول الأول عن قطاع الفلاحة ببنسليمان لدوار أولاد وهاب بجماعة الزيايدة في خريف 2014 بريئة ، استغل ذلك المسؤول قدسية يوم الجمعة ليترصد للمصلين في مسجد الدوار ، زف إليهم البشرى ، الدولة خصصت لدوارهم مليارين من السنتيمات في شكل مشروع ضخم لغرس أشجار الرمان ، وسيتم بناء مستودع عملاق في قلب الدوار ، وسيتم تصدير غلة الرمان إلى دول الخليج وبسعر خيالي ، وسيتم …وسيتم …، وكل ما على الفلاحين الراغبين في الاستفادة من هذه”الفرصة ومناسبة” ، هو دعم هذا الشاب ابن الدوار الذي أجلسه المسؤول بقربه لأجل تزكيته ، ثم عاد المسؤول دون أن يصلي حتى الصلاة مع المصلين ، مخلفا ورائه حيرة و أسئلة معلقة .
تكلف الشاب ببيع ما تبقى من الوعود للفلاحين الحالمين ، كل من يقبل بتسليم حقله لغرس أشجار الرمان فوقه ،سيتم حفر بئر في حقله ، مع تجهيزه بتقنية السقي بالتنقيط ، ثم تسييج الحقل لحماية وصون الشجيرات ، ثم سقيها والعناية بها إلى أن تثمر ، مع استفادة مالك الحقل من كميات من سماد الفوسفاط والأدوية ، وفي الأخير يتسلم الفلاح حقله مثمرا منتجا ، ليجد مستودع التخزين قد تم بناؤه ، ويشرع في التصدير ، ولأن أوراق اعتماد المشروع قد قدمها المسؤول الكبير الذي حضر على متن سيارة المصلحة مرفوقا بتقنيين ، فالمشروع بحسب الفلاحين هو حقيقة بل هو طوق نجاة لهم ، ولكي يتحصل الفلاحون على كل تلك الامتيازات عليهم تسليم صور من بطائق تعريفهم الوطنية للشاب ، مع توقيعهم وبصمهم على أوراق بيضاء فارغة ، لعلها من متطلبات المشروع .
لم يبلع كل الفلاحين الطعم ، بل نقل أحدهم حقيقة ما يجري في الدوار لرئيس جمعية الخير لتنمية البادية وحماية البيئة ، وهي الجمعية التي ينخرط فيها كل فلاحي الدوار ، لينتقل الرئيس الى مكتب المسؤول الكبير عن قطاع الفلاحة ، ويستفسره عن حقيقة ما يجري وما يدور من أخبار حول مشروع الرمان و غلافه المالي الكبير وبناء الوحدة ، وعن امتيازات الفلاحين المستفيدين ، وعن السند القانوني لكل ما قيل وكل ما يقال ، تلعثم المسؤول في الجواب وهو يسمع لغة السند القانوني ، فاشتم رئيس الجمعية رائحة طبخ وطهي المال العام على نار هادئة ، واندلعت أولى شرارة مواجهة لم تنطفئ بعد إلى حد كتابة هذه السطور .
كان لابد للمشروع من تعاونية فلاحية تحمله ، وكان على المسؤول الكبير تأسيس تعاونية على المقاس ، تكون قنطرة للعبور نحو الغلاف المالي للمشروع ، وتكلف الشاب بإنشاء تعاونية فلاحية في اجتماع شبه سري ، وظل إسم التعاونية ووثائقها ومكتبها من الأسرار المخبأة في ملف تحت إبط الشاب.
كان تحقيق عملية غرس شتلات الرمان فوق الأراضي أهم مرحلة يبحث عنها “أعضاء العصابة”، واجتاحت الجرارات حقول الفلاحين ، بدون التأكد من سندات امتلاك الأراضي ، سواء منهم الراغبون أو غير الراغبين ، وتمت عملية الغرس ، واستبشر المستفيدون خيرا من انطلاق المشروع وتحقق نبوءة المسؤول الكبير ، لكن وبعد تحرير محاضر الغرس ، توقف المشروع ولم يظهر للسقي أثر ، مثلما لم يظهر لحفر الآبار وتسييج الحقول وتجهيزها بتقنية السقي بالتنقيط أثر ، وشرعت الشتلات في الذبول ، فهاج الفلاحون ، وطالبوا بعقد جمع لجمعيتهم الخير ، لطرح مشكلهم مع مشروع اتضح لهم أنه كمين أكثر منه مشروع ، خاصة مع تحذيرهم من طرف الشاب من مغبة اجتثاث الأغراس ، فحرموا من استغلال أراضيهم .
شكايات ووقفات احتجاجية ومسيرات ، ومقالات صحفية فرضت على فئران المشروع الخروج من جحورها في محاولة للرد والدفاع ، وتم استغلال تلك الأوراق البيضاء الموقعة والمبصومة على بياض من ذي قبل ، حيث يتم تحرير رسائل الرضى والقبول بالمشروع وإرفاقها بالأوراق الموقعة والمبصومة وبعثها الى وزارة الفلاحة ومصالح العمالة وغيرها ، لكن الأكثر أهمية هو كشفهم عن عقد شراكة بقيمة 13.115.000 درهم (مليار وثلاثمائة وإحدى عشر مليونا وخمسة آلاف سنتيم ) ، كما تم الكشف عن اسم التعاونية الفلاحية وعن أعضاء مكتبها ، وعن القيام برحلات تكوينية لفائدة الفلاحين ، وعن عدد الدواوير المستفيدة وعن مآت الهكتارات المزروعة ، وعن …وعن …، اتضح أنها عصابة متعددة الأطراف ، وموزعة للأدوار ، تتكون من ديناصورات في بنسليمان والرباط والجديدة ، وقد استقطبت شبانا من الدوار ليكونوا حصانها الأسود في ترويض والاحتيال على الفلاحين أصحاب الأراضي .
كان الشاب هو رئيس التعاونية الفلاحية ، بمعية شرذمة من الشباب قاسمهم المشترك أنه لا يجمع بينهم وبين الفلاحة سوى “الخير والإحسان” ، فرئيس التعاونية ومعه الكاتب العام بها وكذا أمين المال هم ممتهنون للنقل السري ، بمعنى “خطافة” ، وباقي الأعضاء الأربعة الآخرين هم من الأهل والأقارب وهم كذلك لا علاقة لهم بالفلاحة ، وأما عقد الشراكة فلا يحمل تاريخا عند توقيعه ، ثم وثيقة خطيرة تثبت أن التعاونية الحاملة للمشروع قد حملت المشروع قبل اكتمال تأسيسها رسميا ، فانفجر الرمان بين أيدي العصابة ، وتحول خلافهم مع الفلاحين من مجرد وقفات ومسيرات إلى رفع شكاية أمام الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء تتعلق بتكوين عصابة إجرامية لأجل تبديد واختلاس المال العام مع النصب والتزوير والغدر وتواطؤ موظفين واستغلال النفوذ …كما تم رفع شكايات أمام وكيل الملك بمحكمة بن سليمان ضد رئيس التعاونية تتعلق بالنصب والتزوير وخيانة الأمانة واستغلال أوراق موقعة على بياض .
أحال الوكيل العام الشكاية على الفرقة الوطنية للدرك الملكي بالرباط ، وشرعت في استدعاء المشتكين و المشتكى بهم بمن فيهم المسؤول الكبير عن قطاع الفلاحة الذي تم تنقيله من بنسليمان ، ومعه عدد من الموظفين الذين وقعوا عقد الشراكة دون وضع تاريخ له ، ثم رئيس التعاونية وأمين المال بها ، والشركة التي رسيت عليها صفقة المشروع ، وكذا مكتب الدراسات ومختبر المراقبة المكلفين بحسب دفتر التحملات الذي حصل عليه رئيس جمعية الخير من داخل مديرية الفلاحة بابن سليمان بعد تنقيل المدير القديم واستبداله بمدير جديد اختار الانحياز الى صفوف الفلاحين ، وثم الاستماع الى جميع الفلاحين الذين وردت أسماؤهم في لائحة المستفيدين ، وتم الاطلاع على عقد الشراكة فتبين أنه يتضمن نفخا في المساحات المزروعة ، ونفخا في أعداد الفلاحين المستفيدين ، وذكرا لدواوير لا صلة لها بالمشروع ، ودواوير لا وجود لها بالإقليم ، كما انتقلت عناصر الفرقة الوطنية إلى دوار أولاد وهاب لمعاينة الحقول والمشروع ، بالمقابل فتحت الضابطة القضائية ببنسليمان تحقيقاتها مع رئيس التعاونية وشقيقه حول ما نسبه إليهما الفلاحون من أعمال النصب والاحتيال عليهم ، وحول ما باعاه لهم من وهم و تأكيدات مغلوطة وخادعة ، وحول الأضرار البالغة التي تكبدوها جراء حرمانهم من استغلال أراضيهم تحت التهديد ، وحول ما قدماه لهم من أوراق بيضاء وقعوا وبصموا عليها ، ثم صار المشتكى بهما يستغلانها ضدهم ، كما انقلب الكاتب العام وعضوان في التعاونية على الرئيس ، وتقدما بدورهم بشكايات تتعلق بتزوير محاضر جموع التعاونية وتزوير لائحة المكتتبين ، والاستيلاء على أموال التعاونية المودعة في البنك .
خلال مسيرة الغضب التي قادها الفلاحون يتقدمهم رئيس جمعية الخير من مدينة ابن سليمان الى مدينة الجديدة ، وداخل المديرية الجهوية للفلاحة ، وبعدما اطلع المدير الجهوي على تفاصيل المشروع الصوري ، وعلى النوايا الإجرامية و اللاتنموية لمن خططوا للمشروع ، وعلى الشكايات المتعددة ، اصدر المدير الجهوي قرارا بتوقيف المشروع ، بعدما كانت شجيرات الرمان قد يبست وذبلت وصارت حطبا ، بسبب عدم سقيها من طرف الشركة المكلفة ، وهو ما أثبته الفلاحون بمحاضر معاينات مع صور فتوغرافية .
استرجع الفلاحون أراضيهم ، واقتلعوا رمان الوهم ، وعادوا لزرع حقولهم بما يعود عليهم بالنفع ، بالمقابل تحركت المساطر القضائية ببطء شديد ، فقد تم ضم الشكايات الخمس المرفوعة ضد رئيس التعاونية في مسطرة واحدة ، وتمت متابعته بجنح النصب والاحتيال والتزوير ، وأحيل على قاضي التحقيق بمحكمة ابن سليمان ، ولا يزال الملف جاريا ، بالمقابل أنهت الفرقة الوطنية للدرك الملكي بالرباط أبحاثها وتحقيقاتها في المشروع برمته ، وأحالت الملف على أنظار الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء ، ومن المتوقع أن يحيل الملف على قاضي التحقيق بذات المحكمة ، أما على مستوى الدعاوى المدنية فقد حكمت المحكمة الابتدائية ببنسليمان لفائدة الكاتب العام وعضوين في التعاونية ببطلان الجمع العام الاستثنائي للتعاونية الفلاحية الحاملة للمشروع بعدما تبين للمحكمة ان الرئيس عقد الجمع العام الاستثنائي سرا ، وبدون دعوة الكاتب العام والعضوين الآخرين لوجود سابق عداوة بينه وبينهم ، كما حكمت المحكمة المذكورة بحكم ثان يقضي على رئيس التعاونية بإرجاع المبالغ المالية التي سحبها إلى الحساب البنكي للتعاونية .
ولأن حبل الاحتيال قصير ، فإن رئيس التعاونية وفي خطوة متهورة منه وغير محسوبة ، وأثناء التحقيق معه من طرف الضابطة القضائية لدرك بنسليمان حول شكايات الفلاحين ضحايا نصبه وتزويره ، ارتأى هذا الأخير ان يستغل محضر الاستماع اليه ليوجه سيلا من الإهانات وعبارات التحقير لمحام خصومه انتقاما منه لما قدمه لخصومه من استشارات وما سلكه لهم من مساطر كانت سببا في توقيف المشروع وحرمان زبانيته من الغنيمة ، فتمت متابعة رئيس التعاونية من جديد بجنحة إهانة محام بسبب قيامه بمهامه ، وأحيل على المحكمة من جديد .
عُلم فيما بعد أنه تم صرف قرابة 40 مليون سنتيم فقط من قيمة المشروع ، لعلها مصاريف الدراسة الوهمية ، والحفر المتهور ، والغرس العشوائي ، والأغراس الموءودة ، لكن لم يفلح أعداء تنمية العالم القروي وتجار مخطط المغرب الأخضر في الظفر بكل “الوزيعة” ، فقد انهار المعبد فوق رؤوسهم ، حيث تلاشى المشروع ولم تبق سوى المتابعات والمساطر تنتظرهم .