الرأي

لكم ساعتكم ولنا ساعتنا وساعة “غرينيتش بقطيع الراس”

محمد الشمسي

في الوقت الذي تتدلى فيه عناقيد المشاكل والهموم والأعباء من دالية الحكومة ، ما بين دين خارجي ترتفع درجته فيكاد يصيب البلد بحمى حارقة صامتة ، وما بين أمواج آلام تعليم ينتج البطالة ، وصحة تعجل بموت المرضى وتصيب مرافقيهم بالمرض ، وسكن اقتصادي في حجم علب طباشير معلقة ، وحوار اجتماعي راكد ركود البحيرات الآيلة للجفاف ، وأفواج الشباب تموت في عمق المتوسط هربا من وطن التهميش ، وحراكات اجتماعية واقتصادية انتهت باعتقالات ، وقطاعات أخرى منها ما يسمع أنينه ، ومنها ما تعفنت جروحه ، ومنها ما يحتضر سرا أو تسترا ، وهذه تقارير مجلس جطو تنذر بكارثة ، نهب للمال العام وتبذير في صفقات المخططات والصناديق ، وملايير خرجت ولم تعد ، وما بين أحداث دولية تشغل بال كل ساكنة العالم إلا حكومتنا ، حيث تحولت سفارات أهل الخدمين الشريفين إلى مسالخ و مجازر و” كرنات” للذبح والتقطيع والتعليب ، في ظل هذه الأجواء المشحونة ، يصر سعد الدين العثماني على استنفار فريقه ليفتي بوجوب تبني مع إقرار الساعة الإضافية وكذا التوقيت المستمر في حياة المغاربة و إلى الأبد ، ويبرر الدكتور العثماني الذي وصف الدواء دون ان يكشف على المريض ، حتى بتنا لا نعرف من يستحق من الطرفين كشفا وعلاجا ودواء هل الشعب أم الطبيب ؟ ، يبرر الطبيب النفساني قرار حكومته المستبد والغاشم والمتسلط بمؤشرات ودراسة لا يعرف الشعب من قام بها ؟ وعلى من ؟ ومتى ؟ وكيف؟ وما هي طبيعة الأسئلة التي طرحت على المستجوبين ؟ ، موهما إيانا أن أكثر من 60 منفعة صحية واقتصادية واجتماعية سيجنيها الشعب إن هو أضاف 60 دقيقة لساعته ، وأن أعمارنا ستطول مع هذه الساعة الإضافية ، وسنقضي “حاجتنا ” في ضوء النهار ، وأننا سنتجاوز زحمة ساعة الذروة ، وأننا سنوفر الكهرباء ، ولم يبق من سفاسف الرواية سوى تبشيرنا بالدخول الى الجنة بأشراط ساعته الكبرى والصغرى .
لم يخبرنا معالي الطبيب النفساني ما بال الاكتظاظ الذي نعيشه بفرض تلك الساعة وبدونها ، فالزحمة سببها ضيق الشوارع أمام انسياب جحافل وسائل النقل ، لأسباب لا دخل فيها لعامل الزمن ، أزمة الضيق يتورط فيها مخطط التهيئة الذي خط طرقات وشوارع المدن بلا حكمة ، وانتعاش سوق السيارات ، والكثافة السكانية المطردة ، ولم يفسر لنا معاليه من أخبره أنه من مصلحتنا قضاء “حاجتنا” في ضوء النهار ، فهناك حوائج تقضى بالليل كذلك ، وعن خرافة توفير الكهرباء لم يعطنا معاليه كم من كيلو واط وفرناه لبلدنا خلال سنوات إقرار هذه الساعة الرعناء ؟ ، وهل ظهر ذلك على سعر فاتورة كهربائنا ؟ ولو كانت هذه الساعة تحقق للشعب كل هذه المكاسب فلم لم نجد لخيراتها أي ذكر في توفير الطاقة في مشروع قانون المالية لهذه السنة ولا لتلك المنصرمة ، بل وجدنا على النقيض من ذلك توجسا حد الارتعاش من غلاء البترول والغاز اللذان هما مصدر كهربائنا .
لم يستفسرنا أحد نحن معشر الشعب الذي بات مثل حمار الناعورة ، يدور يجر الأثقال وغيره يحصد الغلة ، هل نريد أو لا نريد ؟ ، هل نحن مع أو ضد ؟ ، إذا كان رأينا لا يهمكم فلم تثقبون أبوابنا بالطرق خلال حملاتكم الانتخابية ؟، وتتوسلون لنا بدل إقناعنا بمشاريعكم البلهاء ؟، نقول لكم بصوت واحد ” دعيناكم لله “، لأنكم حكمتم على صغارنا بالاستيقاظ في جنح الليل وهم غير مصدقين أنه حان موعد المدرسة ، وأيقظتم الصغار في البوادي قبل صياح الديكة وساروا إلى مدارسهم قبل توجه مؤذن صلاة الفجر إلى مسجده ، لا سامحكم الله ، أنصلي صلاة العشاء حوالي منتصف الليل في قلب فصل الشتاء ، وقد لا يصليها من يغالبه النوم لظروف عمل قاهرة ، وخطيئته في رقابكم ، وجعلتم ليلنا مضطربا ونهارنا مختلفا ، وحكمتم علينا باهتزاز نفسي وزلزلة في الشعور ، وإحساس دائم وداخلي بعدم الاستقرار ، كل ذلك بفعل ساعتكم التي أضفتموها لنا “صحة ” ، فعلا “دعيناكم لله “.
في علم النفس ولعل الدكتور سعد الدين العثماني يعرف ذلك ، ـ وبتنا نشك أنه يعرف ذلك ـ أقول في علم النفس هناك مرض اسمه “اضطرابات التفكك أو التفارقي أو الانشقاقي” ، وهي حالات عقلية تقود المريض الى هروب لاإرادي من الواقع ، وهو مرض يقوم على انفصال بين الأفكار والهوية وبين الوعي والذاكرة ، بمعنى أن المريض بهذا المرض ينفصل عن ذاته وأفكاره ومشاعره ويصبح كأنه يراقبها من خارج ذاته كما لو أنه يشاهد فيلما سينمائيا ، أعراض هذا المرض باتت متجلية في حكومتنا بكل تجليات المرض المذكور ، القوم أصابتهم عدوى اضطراب التفكك أو التفارقي أو الانشقاقي ، وهربوا من واقع البلد وأنكروا هموم الشعب الحقيقية ، وراحوا يبحثون لهم عن إقرار شيء يبقيهم على قيد الحياة ، أو بحثوا لهم عن شغل يبرهنون به أنهم وزراء وأنهم حكومة وأنهم يسودون ويحكمون في شعب وفي وطن ، وأنه “لا كلمة فوق كلمتهم ” .
هنيئا لكم بهذا الإنجاز الوهمي الذي حققتموه ، فقد أفسدتم بساعتكم الزائدة ساعة الله البيولوجية في خلقه ، وتركتمونا نشعر طيلة اليوم أن شيئا ما غير عادي ، ونحن نقارن زحف عقارب الساعة مع دوران الأرض ، حتى شعرنا بالدوار ، لكن اعلموا أنه ولئن كانت ساعتكم باقية لا ريب فيها ، فإن “ساعتكم” آتية لا ريب في ذلك كذلك ، فلكم ساعتكم ولنا ساعتنا ، ألا إن موعدنا الانتخابات أليست الانتخابات بقريبة ، ألا إن موعدنا ساحات الميادين ومجرى الشوارع وكوكب الانترنت وصفحات الإعلام ، ” ، وساعة ” غرينيتش بقطيع الراس ” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى