المغاربة يسرقون فلذات أكبادهم

محمد الشمسي
مرة أخرى تطفو على السطح جريمة جديدة لا كبقية الجرائم ، اختطاف رضيع من قلب مستشفى بن رشد ، والدة الرضيع مصدومة بين آلام المخاض وهول الجريمة ، سرقة رضيع لازال حبل سرته لم يعقد تؤكد ان الجاني او الجانية ليس من سلالة آدم ، ولا تسري في شرايينه دماء الإنسانية ، هو حيوان خرافي ، أو قل حتى ” تاحيوانيت” بريئة منه ، صخب ولغط ومتابعة إعلامية مكثفة ، وقلق أمني استنفر كل خططه لفك شيفرة فضيحة تمس مجتمعا كله ، الكاميرات المثبتة بردهات المستشفى كشفت وجه الجانية ، إنها إمرأة وهي الاعلم بمشاق الحمل وأوزار الوحم وقساوة الوضع وحجم الاوجاع ، لكنها تعمدت سرقة “الغلة” ، والاختفاء بالآدمي الصغير نحو المجهول .
لعلها الجريمة الخامسة من هذا الصنف ، يقترفها مغاربة مع سبق الاصرار والترصد ، لعلها ظاهرة تستشري بيننا نحن معشر ” الاحرار” ، ظاهرة سرقة مغاربة رشداء عاقلين بالغين ومسلمين لرضع وأطفال ثم الفرار بهم تحت انظار الكاميرات ، من اللصوص من هو مجرد وسيط ، يتوفف دوره على التسلل إلى ” السبيطار” والظفر بالغنيمة ، ثم حملها إلى ” لكليان” الذي يتسلم الأمانة ، ويسلم الثمن قبل ان يجف عرق الفاعل ، ويحوز الرضيع ليفرح به فرحا لا تسعه الارض ، ولا يعنيه أن سعادته هي تحت دموع وبين ثنايا أحزان وعويل أبوي الصغير ، يضم الأب ” الاصطناعي او الحرامي ” الابن المسروق ، ويسرع إلى إنجاز وثائقه الإدارية ليحوزه حيازة تامة ، ويحوله إلى ملك من ممتلكاته ، ويزف النبأ العظيم إلى زوجته التي تهلل بأنها صارت ” أما” بلا تلقيح .
وقد يكون السارق سارقا وأبا في نفس الوقت ، بمعنى “إثنان في واحد” ، يختلس الطفل بعدما فقد الأمل في تحصيل الذرية ، وفشل في “أبوة” بطرق غير اللصوصية .
تسائلنا هذه الجرائم ببشاعتها نحن معشر المغاربة جميعا بدون استثناء ، فالجناة من إنتاجنا ، والضحايا من أهلنا ، ومسرح الجريمة فضاؤنا ، فلم بتنا نسرق “أحباب الله” و نختطف ” ملائكة الرحمة” ، لنحقق مجدا قذرا ، ونجلب سعادة ظنكى ، و نشيع “شوهة” عن وطننا ، لينعتنا أهل الكون أننا لا نتقي الله في أضعف خلقه ، هل نحب الاطفال بالطريقة الخطأ ولا نقاوم حرماننا منهم ، ونقرر تملكهم ولو بسرقتهم من تحت فراش أمهاتهم ” النافسات ” ؟ ، هل نحن قوم نقترف الجريمة ثم يتم تتبعنا واعتقالنا فنندم ونبكي حيث لا ينفع الندم ؟ .
وبالعودة الى قانوننا الجنائي فهو يعتبر هذه الجريمة القاتمة مجرد جنحة من الجنح ، يعاقب مقترفها بسنة واحدة سجنا نافذا فقط ، مثله مثل لص سرق هاتفا نقالا او دجاجة ، وفي انتظار تحاليل علماء الاجتماع ، يتعين تدخل النص القانوني فورا وبغلظة ، فيجعل الجريمة جناية ، عقوبتها عشر سنوات حبسا إذا ثبت ان المجرم سرق الرضيع لنفسه ، وتكون عشرون سنة إذا سرقه ليبيعه ، وتكون المؤبد إذا ثبت ان المجرم اعتاد الاتجار في الرضع والصغار ، لعل الحبس يردعنا ، فبهذه الجرائم ثبت لنا اننا ” قوم كيخاف مكيحشم “.