لا بد وأن هناك ارتباط وثيق بين الزيارة الملكية لعدد من الدول الإفريقية ، وبين تأخير تشكيل حكومة بنكيران ، ولا بد وأن هناك ارتباط وثيق بين خطاب جلالة الملك في ذكرى المسيرة الخضراء حول نبرة الخطاب الغاضبة من الأنباء المتواترة بشأن المشاورات الهزلية لتشكيل الحكومة ، ولا بد أن هناك وارتباط وثيق بين عودة أخنوش من السنغال و محوه للحصان والسنبلة من أجندته ، والهرولة في اتجاه معانقة بنكيران ، ولا بد أن هناك ارتباط وثيق بين انقلاب الحمامة على الحصان وبين تفتح وردة لشكر في اتجاه الدخول الى الحكومة .
فبخصوص الارتباط الاول ، فبديهي أن رئيس الحكومة يدخل في استشارات مع الملك عند انتقاء فريقه الحكومي ، وبديهي أن يكون الملك في المغرب حتى تتحقق تلك الاستشارات ، وطبعا مخطئ من يظن أن بنكيران يشكل حكومته بكل حرية ، فبنكيران ليس فراشة ترفرف بين الأحزاب ، وتختار الوزراء ، وتوزع عليهم الحقائب ، فلابد من الرجوع الى القصر ، فإن لم يكن الملك شخصيا ، فعلى الأقل بعض المحيطين به والفاعلين في محيطه ، فلا يمكن لبنكيران أن يفعل ما يشاء رفقة شيعته في الحكومة ، ويعلنون ميلاد حكومتهم هكذا بدون استشارات أو تعليمات أو ترتيبات أو تغييرات أو ترقيعات ، وعليه فتواجد الملك خارج ارض الوطن يحتم بالضرورة التريث في تأسيس الحكومة إلى أن يعود ، دون نسيان أن الملك بدوره له وزراؤه الذين يرشحهم لبعض الحقائب مثل الداخلية والشؤون الاسلامية وغيرها ، وبخصوص الارتباط الثاني فيكمن في الصيغة غير العادية للخطاب الملكي في شقه المرتبط بتشكيل الحكومة ، لقد جاءت الصيغة وكأنما هي قرصة أذن لبعض الاحزاب ممن فشلت في الانتخابات الاخيرة ، لكنها تفاوض وكأنها حققت الاكتساح ، أحزاب تعاني حلم يقظة ، تحكي عن ضرورة التعامل معها كتاريخ وكنضال ، وليس كعدد من المقاعد المحصل عليها ، أحزاب تريد أن تثأر لنفسها من الشعب ، لتقول له إنها في غنى عن أصواته ، فجاء الخطاب الملكي ليقول لهؤلاء أن المسألة لا تعني حزبا يحاول ترميم بكارته التي فضها بنفسه ، بل إن الأمر متعلق بمصير أمة مقبلة على عدد من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، داخليا وخارجيا ، وأنه يتعين أن تكون الحكومة قوية ومنسجمة وعاكسة لإرادة الشعب ، والارتباط الثالث يكمن في “شطحة عزيز أخنوش” هذا الرجل الذي دخل لعالم السياسة ب” صباطو” .
الرجل الذي لم يكن يعرف عنه المغاربة سوى أنه ثري حد التخمة ، ورجل شفاف ولا يظلم في وزارته أحد ، لكن الرجل ليس كما أعتقد الكثيرون ، أخنوش البارع في تسيير الشركات ، واقتناء الأسهم ، وابتلاع الخصوم التجاريين ، وصل الى سدة حزب الحمامة بما يشبه الانقلاب الناعم ، فهناك من أوعز لصلاح الدين مزوار أن أخرج أنت ومن معك من الركح ، واترك عزيز يدخلها عزيزا مكرما ، وطبعا من السداجة الاعتقاد أن في المغرب يوجد زعيم حزب يقدم استقالته بعد نتائج مخيبة لحزبه في الانتخابات ، ففي المغرب قد يعطيك المسؤول السياسي كلية من كليتيه ولا يغادر قيادة الحزب ، ولعل استقالة مزوار ما هي إلا “خاوية في عامرة ” ، ليراوغ بعض الناس ، ويمرر الحزب الى اخنوش الذي يحتاج اليه أصحاب الحال ، أو على الأقل يحتاجون لثروته وطريقة نجاحه في مسيرته التجارية ،معتقدين أن السياسة يمكن ترويضها لتخضع لقانون التجارة ، وفي جميع الحالات فمن يراهن على اخنوش ليكون قوة سياسية احتياطية قد تُضعف غزوات بنكيران ، فقد اختار الحصان الخسران ، فأخنوش لا يقوى على مقارعة بنكيران في الشفوي ، وطبعا الشفوي هو البرنامج الحزبي الناجح في المغرب ، يبقى فقط تعلم أصول هذا الشفوي ، فبنكيران هو الشخص الوحيد الذي ترأس حكومة دبرت الشأن العام لخمس سنوات ، وعاد في الانتخابات الموالية ليجتاح صناديق الاقتراع ، بنكيران هو الوحيد الذي يسبه الناس صباحا ويصوتون عليه زوالا .
بنكيران هو محبوب الشعب المغربي ، لأنه يعرف كيف يجعل الشعب يحبه ، وبعد فشل محاولة اخنوش جس نبض بنكيران في الضغط عليه ، بعد أن سخن صفوفه بحبات السنبلة وصهيل العود ، وأمام كاريزمية بنكيران الذي لم يقبل مساوامات اخنوش ، والأكيد أنه ذكره من باب الذكرى بعدد مقاعده التي لا تسمح له بأن يفاوض من موقع قوة ، وأن ملآ السنابل تنحني بتواضع ، وأن بعض الخيل لا يصلح حتى لجر عربة “بوعار” ، عاد اخنوش ليدفع العنصر وساجيد ويرمي بهما بعيدا عن محطته ويقصد بنكيران تائبا توبة نصوح ، وأما الارتباط الأخير فيوضح أن عددا كبيرا من الامناء العامين في الاحزاب المغربية ليسوا أسياد قراراتهم ، وأنهم قوم يجعجعون ويرعدون دون فعل ، وأنهم بصحيح العبارة ” ماشي رجالة ” ، قوم ينتظرون الإشارة والإذن من أسايدهم ، ربما حتى عند رغبتهم في دخول المرحاض ، ولعل هذا ما وقع فيه السيد لشكر ، الذي نزل بحزب الاتحاد الاشتراكي الى ما تحت الحضيض .
ففي عهد هذا الرجل “تبهدل ” حزب عبد الرحيم بوعبيد ، الأسد الذي عارض قرارا للملك الراحل الحسن الثاني وما ادارك ما معارضة قرار للحسن الثاني ، وهاهو حزب بوعبيد يبتليه الله بكثير من الجوع والعطش والخنوع ، وكأن لشكر يقطع أوراق وردة حزبه ويقرأ طالعه ” ندخل مندخلش ندخل مندخلش ” ، فقد غالى لشكر في التمنع والتردد ، حتى إذا دخل اخنوش أسرع ورائه ليدخل الى جانبه ، معتقدا أن رفقة أخنوش سبيل نحو النجاح ، وبئس الحزب الذي لا يراهن على برنامجه وعلى شعبيته وعلى قواعده .