الرأي

سفاحو “شمهروش” : هل يدافع عنهم ائتلاف مناهضة عقوبة الإعدام ؟

محمد الشمسي
مرت 10 سنوات على ندوة كان لي شرف المشاركة فيها ، كانت من تنظيم إحدى المراكز التي تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان بالرباط ، تشرفت في المنصة و إلى جانبي أستاذ جامعي نشكل معا فريقا للدفاع عن الإبقاء على عقوبة الإعدام ، وفي الضفة الأخرى كان الفريق المناهض لعقوبة الإعدام يقوده الأستاذ الصبار المحامي واليساري آنذاك ، وقبل منصبه السامي الذي يتقلده الآن .
ولأن الأمانة تقتضي أن أذكر جميع المداخلات ، وألا أكتفي بقولي ، فإن ما يهمني هنا ، هو أننا يومها وبعد أن أدلى كل فريق فينا بدلوه و فتحنا باب النقاش والأسئلة ، تدخل شاب ، ووجه لي خطابا ذا حمولة عنصرية ، حين نعتني أنني أجيد دغدغة مشاعر وعواطف الحاضرين لتحفيزهم على الإيمان بعقوبة الإعدام ، تحريضهم على المطالبة بالإبقاء عليها في نصوص القانون ، وتجاوز الشاب الحدود حين ربط لون سحنتي السمراء بكوني من عرب قريش الذين احتلوا المغرب ، وأن الدين الذي اعتقد به يؤمن بقتل النفس و..و..، حاول المنظمون يومه منع الشاب من إتمام مداخلته لكني طلبت منهم تركه يكمل ، فنحن في ندوة لحقوق الإنسان و من ابسط هذه الحقوق الاستماع للرأي الآخر مهما كان عنصريا وأحيانا قدحيا ، أتم الشاب كلامه ، وأجبته بسطر واحد وقلت له ” أخي العزيز نحن نعيش في وطن واحد ونحن سواسية فيه ، وأنت تصنف الناس بالعين ، فاحذر فإنك تحمل لغما إن انفجر قتلنا جميعا ” .
وأذكر أنه وقبل نهاية أشغال الندوة ، صدرت توصية تقول بوجوب إلغاء عقوبة الإعدام ، وقد قدمت احتجاجا يومها ، وأخذت على نفسي عدم المشاركة في اية ندوة تدور حول الموضوع ، لأني رفضت أن أكون مجرد ديكور يتم به تأثيث المشهد ، وأذكر أنه في نهاية الندوة عانقني الشاب ودعاني لتناول وجبة الغذاء رفقته وعدد من الحضور لكني اعتذرت بحجة ضرورة عودتي للدار البيضاء .
شخصيا لا زلت متحمسا وسأظل مدافعا عن الإبقاء على عقوبة الإعدام ، فأما القول بأنها ضد الحق في الحياة فهذا تفسير مغلوط وينم عن كثير من سوء الفهم لمعنى الحق في الحياة ، فالإعدام كعقوبة في محاكمة عادلة ضد متهم أو متهمين اقترفوا فعلا جرميا بشعا ، كذاك الذي اقترفه سفاحو شمهروش ، أو سفاح تيزنيت الذي كان يتصيد اطفال الشوارع فيغتصبهم ثم يقتلهم ويدفنهم ، وغيرها من الجرائم التي تقشعر لها الابدان، خاصة ذات الحمولة الإرهابية ، فإن تسييج المحاكمات بضمانات قانونية ، يجعل تنفيذ حكم الإعدام في المدانين أمر طبيعي و ليس فيه أي تجن على الحق في الحياة ، فالحياة هاهنا إنما تم سلبها من مدان هو غير جدير بها ، وممن لو بقيت له حياة لارتكب جرائم قتل أكثر فظاعة .
عندما يترصد المتهمون بالضحيتين الاسكندنافيتين ويختطفانهما ثم يذبحانهما ، أحدهما يذبح والآخر يصور و يوثق ، ثم يتم نشر الفيديو كإنجاز دميم ومقيت ، فهذا هو سبق الإصرار والترصد والعمد والنية الإجرامية ، وهؤلاء بحسب فقهاء علم الإجرام مصنفون في خانة “مجرم ميؤوس من اعادة إدماجه ” ويتعين استئصاله من المجتمع بإعدامه .
كان البعض يتهمنا بالوقوف في الخندق المعادي للحق في الحياة ، وكنا نحاول إفهامهم أن إزهاق الروح بالقانون وفي محاكمة عادلة ليس قتلا ، بل إنما هو عدل وإحقاق للحقوق ، وأن الاعتداء على الحق في الحياة هو ذاك الذي يكون خارج رحم القانون ، واعتمادا على قانون يسنه المجرم وعصابته يقوم على وجوب قتل “الآخر” ليس دفاعا عن النفس ولا بفعل ابتزاز او استفزاز بل لكون في قتله أجر عظيم جزاؤه الجنة إن كان الفعل إرهابيا ، أو لسلبه أمواله وممتلكاته إن كان الباعث ماديا ، أو للمساهمة في هزم جيش الأمة بتمكين العدو من أسراره إن كان الباعث تجسسيا وعسكريا .
واليوم تشاء الايام ان تحكم بيننا وبين القوم المناهضين لعقوبة الاعدام ، لنسألهم سؤالا شرعيا ” مالي أراكم تدبجون بيانات الاستنكار والتنديد بالجريمة النكراء ، وبعد غد أجدكم تدافعون عن حق هؤلاء المجرمين في الحياة والتصدي لعدم الحكم عليهم بالاعدام ؟ ” . أم أنكم تنفدون تعليمات جمعيات أجنبية أفرطت في الأيمان بحقوق الانسان حتى ساوت بين القاتل المجرم وبين القتيل الضحية ؟ .
وطبعا كان دفاعنا عن الإبقاء على عقوبة الاعدام مع تنفيذها من باب أن مجرد علم المجرمين المحتملين بوجودها وبتنفيذها قد يردع بعضهم ، مع تأكيدنا على ضرورة تقليص حالات ونصوص هذه العقوبة ، وإحاطتها بمساطر تلقائية بقوة القانون ، من باب حق المتهم في أن يؤازره محام أو محامية من جهة ولو على نفقة الدولة ، ووجوب عرض المتهم على خبرة طبية للتأكد من سلامة إرادته أثناء ارتكابه الفعل الجرمي ، وتمتيع المتهم بظروف التخفيف إن ندم وعبر عن ندمه في مجلس القضاء وكشف النقاب عن ظروف تورطه وعن تعرضه لوابل من الشحن والتحريض الذي كان فوق إدراكه ، وعن تمتيع المتهم وعلى نفقة الدولة بجلسات مع معالج نفسي ، فإن لامس فيه خيرا يحاكم بغير عقوبة الإعدام ، وإن تشبث المتهم بجريمته ودافع عنها ، كان من الواجب اجتثاثه من المجتمع ووضع حد لحياته وبالقانون .
وأما الحماسة الزائدة في المطالبة بإلغاء عقوبة الاعدام ، فهي لا تخدم العدالة في شيء ، فلا يعقل أن نندد اليوم بجريمة شنيعة وندفن ضحيتها ، ثم نقوم في اليوم الموالي للدفاع عن المجرم ، ونطالب بعدم إعدامه ، فإذا كانت عقوبة الاعدام هي اعتداء على الحق في الحياة ، فإن عقوبة الحبس النافذ هي اعتداء على الحق في الحرية ، وعقوبة الغرامة هي اعتداء على الحق في الملكية والتملك ، فما جدوى القانون والمحاكم والأحكام إذن ؟ ، أفتونا في أمرنا يرحمكم الله .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى