الرأي

لقد باعوا القدس لدونالد

محمد شمسي
فعلها الرئيس العجوز ، ذو الوجه الأصفر الشاحب القريب إلى وجوه الموتى ، فعلها الرئيس المقامر المخرف ، وأعلن القدس الشريف عاصمة لعصابة الصهاينة ، ومن الغباء أن يعتقد بعضنا أن الرئيس المتهور إنما قرر ما قرره دون سابق لقاءات مع الأنظمة العربية المؤثرة في الساحة الدولية ، وأن تلك الأنظمة شعرت بالفخر والاعتزاز وهي ترخص للرئيس الأرعن بأن ينفذ ما قرره ، فلا راد لما أراده رئيس أمريكا ، وليس في دواخل الأنظمة العربية قلوب تصمد أمام غضبة رئيس يرونه إن أراد لشيء أن يكون قال له كن فيكون ، أو هكذا يؤمنون به ويخافونه أكثر من خوفهم من الله تعالى ، فقرار دونالد لا يعدو أن يكون مقبلات ل”صفقة القرن” التي طبخها الرئيس مع الأنظمة العربية على نار هادئة .
طز فيكم ، يا أمة في اتحادها ضعف وهوان مثل أمة الذباب ، طز فيكم وفي نحيبكم ونفاقكم ، اليوم بعتم القدس ، وبعد سنين قادمة ستبيعون مكة والمدينة ، طز فيكم أنظمة واهنة بارعة في قمع شعوبها ، وبارعة في بيع الأرض ومال الشعب لاقتناء خردات أسلحة الغرب ، وطز فيكم معشر الغرب المنافق الذي يزعم الحريات وحقوق الإنسان ، وهو يقاوم ثلج الشتاء بعرق جبين الشعوب المستضعفة ، طز فيكم وفي دساتيركم الجوفاء تكتبونها بدماء الأبرياء ، تعيشون دفئا من فراء حيوانات مسالمة .
ما عاسكم فاعلون يا معشر العرب وزد عليكم معشر المسلمين ، غير الرياء والتظاهر بالغضب المزيف ، ما عساكم فاعلون وأنتم من فرط في الشرف والكرامة ، وبصبصتم الذيول للتقرب من ذلك الرئيس المعتوه ، الذي ساقته الصدفة لأن يتحكم في الزر النووي لأقوى جيش واقتصاد ، ما عساكم فاعلون غير استنفار الجيوش وقمع المسيرات ، وخنق الشعوب وحرمانها حتى من حقها في الصياح والهياج ونفث آهات الغبن و”الحكرة” التي تكالبت عليها وهي شعوب تعيش الاندحار تلو الاندحار ، وهي أجيال ترى كيف أن الزمن يمر وهي تسير بخطى ثابتة إلى الخلف ، كيف يجري التاريخ إلى الأمام وهم مهرولون إلى ساحة التخلف والفقر، تفقد في اليوم وفي الاسبوع وفي الشهر وفي العام شظية من بكارة العفة .
أين ملايير البترودولارات التي لهفها ذلك الرئيس المعاق من مال الشعوب الخليجية ؟ ، ما ذا قدم لهم مقابلها ؟ ، أين أنفة عرب قريش التي ساقتهم إلى خوض الحروب نصرة للاجئ استجار بهم ، مابالكم إذا كان المستضعف أخا ؟ ، أين ولي عهد السعودية ؟ ونظيره الإماراتي ؟ وأين اردوغان ؟ وأين الرئيس الإيراني ؟ وأين حسن نصر الله ؟ وأين بشارالأسد ؟ أين بوتين ؟ وأين عباس واسماعيل هنية ودحلان ؟ أين فتح وحماس والجهاد ؟ أين السيسي ؟ وأين معشر المحللين والمحرمين ممن يطلعوا علينا على الدوام في الفضائيات ؟ أين الجزيرة والعربية ؟ أين و أين ؟ ، ما ذا تقدم إسرائيل لأمريكا وللغرب حتى يستميتون في دعمها وبجنون ؟ ، إن كان على المال فقد نهب الأمريكان والانجليز والفرنسيس والروس من المال العربي ما لا يحصى ، نهبوه نقدا ونهبوه بترولا ونهبوه صفقات مشبوهة ونهبوه رشاوى وأتاوات وهدايا ، وما بالنا نحن معشر العرب نصب في جيوبهم أرزاقنا ، ونسبح بحمدهم ، وقبلتنا بيتهم الأبيض أو كريملينهم ، نصلي إليه ، ولا يكون نصيبنا منهم سوى إذلالنا مع سبق الإصرار والترصد ، وبشهادة التاريخ .
ستجتمع المشمولة بعفو الله الجامعة العربية ، وستجتمع معها المسماة مجازا بمنظمة التعاون الإسلامي وهي لا تقل موتا عن زميلتها الجامعة ، ثم ستجتمع دول عدم الانحياز في زمن صار فيه الكل منحازا إلى المصالح بدل القيم ، ثم الجمعية العمومية وسيكثر اللغط والنباح والعواء ، ولا شيء سيتحقق ، وسيعقد مجلس الأمن اجتماعا ينسفه ترامب بالفيتو الأمريكي ، وستخرج المسيرات الشعبية ، فكل ذلك وضعته التقارير المخابراتية في الحسبان ، إلم تكن تلك المخابرات هي من حرر البيانات الختامية لكل المجتمعين .
بئس زمن بتنا فيه نحن معشر العرب ، نشهد على أنفسنا أننا نغرق ونغرق ، وبتنا أكثر من هذا لا نقوى على إيقاف غوصنا إلى ما تحت الحضيض ، ونحن نزحف خارج التاريخ جماعات ، لا نكف عن تمزيق بعضنا البعض ، ما أشجعنا ضد بعضنا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى