الرأي

المغرب يعود إلى الاتحاد الإفريقي :أخطأ أم أصاب ؟

صادق مجلس النواب بالإجماع كما سيصادق مجلس المستشارين على ميثاق الاتحاد الإفريقي ، ولم نسمع من ممثلي الأمة ولو توضيحا أو رأيا أو وجهة نظر ، فقد تهافتوا على الإجماع ، بما في ذلك تيار داخل البرلمان لا يخفي دعمه للجبهة الانفصالية ، مما يوفر الغطاء القانوني لعودة المملكة المغربية الى حظيرة الاتحاد الإفريقي ، لكن الأسئلة التي تفرض نفسها : هل قرار عودة المغرب الى الاتحاد الإفريقي هو قرار صائب ؟ ، وهل ما كان ينقص وحدتنا الترابية هو فقط قرار العودة الى بيت الطاعة الإفريقي ؟ ، ثم ما ذا سنخسر وماذا سنربح من هذه العودة ؟ وأخيرا أما آن الأوان لإشراك الشعب في اتخاذ مثل هكذا قرارات حاسمة ومصيرية في تاريخ الأمة ، وذلك عن طريق طرح فكرة العودة من عدمها على استفتاء شعبي ، كما سبق وأن قامت بذلك انجلترا لدى رغبتها في الخروج من الاتحاد الأوروبي ؟ .

دعونا نحلل قرار العودة من خلال الآتي :

1 من الطبيعي أن مصادقة المغرب بواسطة مؤسساته الدستورية على ميثاق الاتحاد الافريقي هو إجراء ملغوم ، فالمغرب يقر باحترامه لسيادة وحدود ووحدة الدول الأعضاء في الاتحاد ، ومعلوم أن دولة الوهم المسماة “الجمهورية الصحراوية” هي عضو في هذا الاتحاد ، فكيف أمكن للعقل السليم أن يجمع في داخله بين هاذين المتناقضين ، قبول بعضوية الدولة الوهمية ، ثم الاعلان عن ان العودة الى الاتحاد لا تعني الاعتراف بها .

2 بقبول عودة المغرب الى الاتحاد الافريقي ، يصبح المغرب عضوا الى جانب باقي الاعضاء في الاتحاد ، ومعلوم ان جمهورية الوهم عضو في ذلك الاتحاد ، فكيف سيتصرف المغرب عند عقد اجتماع للاتحاد الافريقي ، هل سيقبل الجلوس جنبا الى جنب مع دولة وهمية ؟ ، أم سيقرر الانسجاب ، فيصبح قرار العودة عبثيا ؟ وما ذا سيجني المغرب من انسحابه ؟ فستجري الجلسة في غيبته وانتهى الأمر .

3 بالعودة الى أبجديات دروس مادة العلاقات الدولية ، نجد ان الاعتراف بالدول يكون بشكل مباشر عن طريق اصدار بلاغ رسمي من الجهة المختصة بالاعتراف بدولة من الدول ، وهذا يسمى بالاعتراف المباشر ، ثم هناك الاعتراف غير المباشر وهو القبول الضمني بتلك الدولة مثل الجلوس معها على طاولة واحدة ، أو التعامل معها بأي شكل من أشكال التعاون ، فيكون المغرب وبعد قرابة نصف قرن من الصراع حول وحدته الترابية عاد ليعترف بالدولة الوهم .

4 من المعلوم أن الاتحاد الافريقي هو مجرد تجمع لأنظمة في غالبيتها غير شرعية وغير ديمقراطية ، إذ أن جل القادة هم عسكريون انقضوا على الحكم في بلدانهم بانقلابات عسكرية ، وعدلوا دساتير بلدانهم بما يسمح لهم بالرئاسة مدى الحياة ، بعد أن جمعوا المعارضين واغتالوهم بدماء باردة ، ولن يتزحزحوا من كرسي الرئاسة الا بفعل الموت ، أو بانقلاب عسكري مضاد ، وحتى عند إجراء انتخابات ديمقراطية ، فسرعان ما ينقلب على نتيجتها الرئيس المنهزم ، ومن المعلوم أن الثروة الافريقية سبق وان حسمت الشركات المتعددة الجنسيات في أمر الاستيلاء عليها بعقود طويلة الامد ، ابرمتها مع انظمة ديكتاتورية ، تحت قاعدة الثروة مقابل ضمان الاستمرار في الحكم ، ومن المعلوم ان الشعوب الافريقية مغلوبة على أمرها ، تعاني الفقر والمجاعة والحروب الاهلية وما ينتج عن ذلك من أمية وتفشي الاوبئة ، في الوقت الذي تتركز فيه خيرات تلك الاوطان بيد قلة فاسدة في انظمة مستبدة ، بالمقابل تفر الطاقات الشابة عبر قوارب الموت نحو البحث عن لقمة العيش ، وعليه ما عسى مؤسسة بهذه الامراض أن تقدم لوحدتنا الترابية ؟ ، فلا الاتحاد الافريقي ولا الجامعة العربية ولا دول عدم الانحياز ولا اتحاد المغرب العربي ، ولا حتى منظمة الامم المتحدة يمكنها ان تقدم خدمة لوحدتنا الترابية ، والتعويل على هكذا مؤسسات منخورة وعاجزة لا يعدو ان يكون جريا خلف السراب .

5 ملف وحدتنا الترابية بيد الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن ، هذه الدول وبحكم قوتها هي من يرسم خارطة العالم ، هي من تنهي الخلافات وهي من تشعل فتيلها ، وحتى منظمة الامم المتحدة فهي لا تعدو ان تكون ببغاء من سلالة جيدة يردد ما تأمره به قيادات الدول الخمس ، والأمين العام للأمم المتحدة دوره هو الاستنكار والغضب و التنديد والتعبير عن أحزانه وما شابه ذلك ، أما مفاتيح قضايا العالم فهي بحوزة الخمسة الكبار ، والتعويل على غير هؤلاء هو هدر للطاقة ومضيعة للوقت .

6 من الواجب أن يتم اشراك الشعب اشراكا حقيقيا في المساهمة في اتخاذ قرارات حاسمة بشأن جزء من وطنه ، فالشعب يبدو مغيبا ، وهو يعاين كيف يتم اتخاذ القرارات دون حضوره ودون مساهمته ، علما ان الشعب هو من سيتحمل تبعات كل قرار تبين انه لم يكن موفقا ، وطبعا جل من لا يخطئ ، ففي الامس القريب هلل الاعلام المغربي للحكم الصادر عن المحكمة الأوربية والذي قضى برفض دعوى جبهة البوليساريو ، ولم يقف المهللون عند تحليل وقراءة تعليل ذلك الحكم المدسوس والمسموم ، فقد قالت المحكمة الأوربية ان المناطق الصحراوية غير مشمولة في الاتفاق المبرم بين المغرب والاتحاد الأوربي ، بمعنى أن المغرب عندما وقع على الاتفاق مع الاتحاد الأوربي رضي وقبل باستبعاد المناطق الصحراوية من بنود وسريان هذا الاتفاق ، فمن إذن اتخذ هذا القرار ؟ ، ومن تنازل عن إخراج صحرائنا من مرافق حدود المملكة ومشتملاتها ؟ ، ولماذا لم يتم اخبار الشعب بذلك ؟ ، فإن كان المبرر هو حاجة المغرب الى عائدات الاتفاق مع الاتحاد الاوربي نقول بأن الاسواق الروسية والتركية والصينية واليابانية والامريكية في حاجة ماسة الى سمكنا وليموننا وطماطمنا وغيرها من المنتوجات ، لأننا لن نحقق ربحا ماليا بخسارة قضية وحدة ترابية .

7 يتم الترويج لعدد من المغالطات التي تكذب على المتلقي المغربي البسيط بالقول بان محكمة لاهاي سبق وان حكمت لفائدة المغرب في قضية الصحراء ، وبأن دولة الوهم ليست عضوا في الامم المتحدة ، لكن منطوق محكمة لاهاي خطير وسياسي اكثر منه قانوني ، وقد شد العصا من الوسط ، فلم يحسم في مغربية الصحراء لكنه اشار الى عبارة ” تحديد مصير الشعب الصحراوي ” ، ومنظمة الامم المتحدة تربط قضية صحرائنا بتصفية الاستعمار ، هذه معلومات وحقائق وجب على الاجيال الصاعدة ان تعرفها من أفواه مسؤولينا ، وليس بالبحث عنها في ردهات الكتب ومواقع البحث العنكبوتية ، لذلك أعتقد ان وحدتنا التربية مثل ملف معروض على محكمة من المحاكم ، يجب أن يسود فيه التواصل الشفاف ، فلا عيب في ان نخسر جولة أو مرحلة ، لكن العيب ان نخسر كل المراحل بقرارات غير مدروسة حينا ، أو بالدعاية للمغالطات .

8 ما ذا جنينا من قرابة اربعة قرون ونحن خارج الاتحاد الافريقي ؟ ، لقد اتخذ الراحل الحسن الثاني هذا القرار وطبعا لم يستشر فيه أحدا ، وعندي اليقين أن الاعلام وبعض اشباه المحللين في ذلك الوقت هللوا وطبلوا للقرار ، ونعتوه بالحكيم والمنطقي ، وألبسوه من الأوصاف ما شاؤوا ، اليوم اتضح أنه كان قرارا خاطئا ، لنعوضه بقرار العودة الى حضن هذا الاتحاد وكلنا أمل ان تكون هذه الخطورة صحيحة ومربحة

9 كنت آمل أن يظل المغرب ناقما على هذا الاتحاد ، وخارج مؤسساته وهياكله ، بالمقابل يواصل المغرب زحفه الديبلوماسي مع الدول الإفريقية المشكلة لهذا الاتحاد ، في ابرام الاتفاقيات الاقتصادية وغزو الأسواق الإفريقية ، وعرض التجربة المغربية سواء على المستوى الديني من خلال استقطاب الدول الإفريقية المسلمة او الشبه مسلمة ، او على المستوى الاقتصادي من خلال الموقع الاستراتجي للمغرب باعتباره باب أوربا ، وكنت آمل أن يستجمع المغرب حوله عددا كبيرا من الدول الإفريقية فيدفعها هي نفسها الى المطالبة بعودة المغرب ، وتغريه بطرد دولة الوهم من عضوية الاتحاد مقابل عودته ، ويقبل المغرب تلك العودة التي ستكون ميمونة وذات قيمة مضافة ، أما أن يقرر المغرب الجلوس مع الجبهة المغضوب عليها ، ويقبل بعضويتها في اتحاد هو فاقد لكل شيء ، فإني اطرح سؤالا : ماذا قدم الاتحاد الافريقي للدولة الوهمية التي قبل عضويتها ؟ ، فطيلة خمسين سنة تقريبا من الدعم هاهي دول عديدة تسحب اعترافها بهذا الكيان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى