الرأي

‘ الصراع ‘ المغاربي يحتاج لوقفة تاريخية اكثر منها سياسية

شكل تاريخ المجال المغاربي قديما وحديثا موضوعا سالت فيه أقلام الدارسين والباحثين. وعلى الرغم من ذلك فإن هذا التاريخ ما يزال في حاجة للبحث والتنقيب، وذلك وفق محددات معرفية ومنهجية جديدة، ترنو تقويم المعطيات التاريخية بروح من المسؤولية العلمية والإقتراب من الموضوعية، من أجل توضيح بعض جوانب تاريخ هذا المجال على إمتداده. بل والأكثر من هذا محاولة توضيحه بعيدا عن الأبحاث التي إعتمدت البطولة والتيولوجيا، بل والخرافة في بعض الأحيان.

وهنا ننوه بالأعمال الجادة والتي أولت عناية فائقة لجوانب الصراع في تاريخ هذا المجال وأبعادها الجيوسياسية والإقتصادية،وتحديدا في حقبته الوسيطية والحديثة. والتي إستوفت أغراضنا العلمية التاريخية، في إستحضار الماضي وفهمه بعيدا عن الإندفاع والتشنج كما ننوه بالأعمال التي استهدفت تحرير دراسة التاريخ الإسلامي عموما وتاريخ المجال المغاربي على وجه التحديد من أخطبوط التبعية سواء للماضي أو للآخر، دون رفض مناهج القدامى ومناهج الغربيين على الإطلاق بقدر ماحرصت على الإفادة من نتائجهما معا بعد الإستقصاء والمتابعة.

والحال أن المصادر والدراسات التي شكلت عصب الموضوع كثيرة ومتنوعة المشارب. وإن كانت لا تفيد مباشرة، إذ يغلب عليها طابع التاريخ العام الذي قدم فيها على شكل ركامات كمية من الأحداث أو الأزمنة أو الأمكنة أو الأشخاص،فإنها بالرغم من دلك لم تخل من مزايا وإفادات ذات قيمة لا يمكن إنكارها أوتجاهلها، خاصة وأن تاريخ الصراع بهذا المجال وتحديدا في حقبته الوسيطة والحديثة صعب المنال. ويستحيل فهم ميكانزماته الداخلية وعلاقاته الدولية وإدراكه وسبرغوره، دون ملاحقة النصوص التاريخية والدراسات المرهونة بهذا المجال في حقبتين متميزتين.

وحين نحاول هنا دراسة تاريخ العلاقات بالمجال المغاربي خلال نهاية العصر الوسيط وبداية العصر الحديث، في علاقته الوثيقة_ قليلا أوكثيرا_ بالصراعات التي عرفها هذا المجال على جميع المستويات- إقتصادية وسياسية- مذهبية، فإننا لا نعمل على إقحام التاريخ ضمن إطار الجغرافية السياسية، ولا على تطويعه لها بشكل تعسفي، ذلك أن مثل هذا الأمر لا يعدو في اعتقادنا إلا أن يكون عملية هجينة غريبة عن “علم التاريخ”. على عكس ذلك، نحن نطمح هنا إلى أن نبحث تاريخ المجال المغاربي من خلال منظار جديد، يؤكد في المقام الأول على تلمس القضايا الرئيسية التي عرقلت من تطوره، نهاية تاريخه الوسيط وبداية عصره الحديث.

والحاصل- أن هذا الموضوع ( الصراع في المجال المدروس)، ظل في واقع الأمر حتى عهد قريب يدخل في دائرة الحكرعلى المشتغلين بالأنثروبولوجيا والعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وأن ما كان يرد عند المؤرخين في هذا الإطار. لم يخرج في مجمله عن دائرة الترف الفكري والإشارات الخجولة في الغالب الأعم.

إلا أنه من شأن هذه الدراسات أن تساعد المؤرخ على إعادة توضيب المعلومات التاريخية والمتواترة بالخطأ أو المغالطة. ومن ثمة فإن هذا البحث يحاول وضع سياقات علمية جديدة للعديد من المعطيات المتداولة في هذا الحقل خلال الفترة المدروسة.

وبناء على ما سبق، نعتبر أن أي تصور لأولويات التعاون في المنطقة المغاربية، ينبغي أن يركز على تجاوز هذه العوائق في أفق تفعيل المقومات وبناء القدرات الوحدوية. ولذلك نتصور أن هذه الأولويات تنطلق من التفكير في هذه العوائق، والإجابة عليها من منطلق استعادة الدور “المجتمعي المدني”، أي من خلال تحريك هذا الأخير لتشكيل “فضاء عمومي” مغاربي، يعبر عن خصائص الهوية والتاريخ والانتماء المشترك، خارج دائرة الأنانيات القطرية الضيقة والمصالح المحدودة، في أفق تجاوز “حالة الإنفصام ” بين السلطة والمجتمع.

كلها تساؤلات تحتاج إلى مزيد من الجهد والتنقيب، لإماطة اللثام عن جوانب أخرى من التأثيرات الخارجية في الصراعات والنزاعات الدائرة اليوم ومستقبلا بالمجال المغاربي، ويكون للأعمال التاريخية الجادة الدور الهام في ذلك.

وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهتها، وخاصة على المستوى المعلومات والمنهجية وكذلك المصطلحات والمفاهيم، فقد تم تذليلها بتوجيهات الأستاذة الدكتورة ماجدة كريمي، والتي راعت هذا البحث من بدايته إلى نهايته فلها الشكر الجزيل، وإلى كل الأساتذة الذين ساهموا من قريب أو بعيد في إخراج هذه المحاولة إلى الوجود.

* سعيد عبد الرزاق أستاذ باحث في شعبة التاريخ

* حاصل على الدكتوراه : اطروحة “

* له عدة كتابات ومقالات تهم التاريخ الحديث و الوسيط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى