عاداوي
ساءني ما شاهدته في مقطع مصور للسيد إلياس العماري وهو يترأس تأسيس منتدى ” محامو الاصالة والمعاصرة ” ، الرجل في كلمة أمام الحضور ممن يفترض أنهم محامون ، تقنع بثوب الناصح و الموصي والمهدد للمحامين الراغبين في الانضمام الى حزبه ، جاءت كلمة الرجل مفتقدة للحياء والوقار الواجب اتجاه مهنة المحاماة ، ومادام المحامي جزء من مهنة المحاماة كان أحرى بالرجل المشتبه فيه سياسيا ، أن يزن مصطلحات مداخلته تلك ، وهو يحدث رجال قانون ، فقد هدد العماري المحامين المجتمعين باتخاذ عقوبات شديدة في حقهم إذا ما هم خرقوا الأعراف المهنية ،وسألت نفسي حينها ومن اين لإلياس العماري ان يلم بالاعراف المهنية للمحاماة ؟ ، وأوصاهم وصية الحكماء بالتشبث بنبل مهنتهم ، وبقرارات هيئتهم ونقيبهم ، ونسي الرجل أنه يجتمع بمحامين يعرفون في القانون أكثر ما يعرف ، ويدركون تصرفهم اكثر ما يدرك ، واعتقد الرجل انه يخاطب عرمرما من الاميين والجهال ، ممن اعتاد ان “يتفطح ” أمامهم ويقول ما شاء ان يقول ، متناسيا أن وزنه السياسي هو في نهاية المطاف قريب من “لاشيء” في حصيلته ، ومتناسيا أن الحزب الذي يأويه كل المغاربة يعرفون الانبوب الاصطناعي الذي ولد منه ، وكيف ولد ؟ ومتى ؟ ومن سهر على عملية التهجين تلك ؟ بين استغلال فاضح لتاريخ بعض المناضيلن الذين يئسوا من النضال وأرادوا تقاعدا سياسيا يعوضهم سنوات “الطيش” ، فكانت ازالة ملابس النضال بسرعة والارتماء في عمق حزب “صديق الملك ” او ” الحزب الوافد الجديد ” أو “حزب القصر ” أو “حزب المخزن ” وغيرها من الاوصاف .
ليس إلياس العماري من يستطيع ان ينصح المحامون ، فهو صغير جدا على هذا الدور ، وليس المحامون الحقيقيون من يرضون بهذا الكائن السياسي البئيس أن يلقنهم ويذكرهم بدروس في احترام اعراف وتقاليد وقوانين مهنة المحاماة ، كان السيد الياس العماري في خطبته مثيرا للشفقة ،كان مثل من يحدث عالما في الدين باركان الوضوء ، فأسلوب الرجل في الخطابة جاء ضعيفا كالعادة ، أمام محامين يمتهنون الخطابة في ارقى تجلياتها بحكم ان الخطابة جزء من عتاد المحامي الناجح ، وتساءلت مع نفسي كيف تسمح قبيلة المحامين لهذا الرجل ان يخاطبهم بهكذا لهجة ؟ ، وهم الذين يحتجون على هيئات المحاكم بكل انواعها من قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق وقضاة الحكم ، ولا يسمحون لهم بتلقينهم دروسا ؟ ، الواضح ان بعض الزملاء المحامين يضخمون حجم الياس العماري ، ويعطونه حجما اسطوريا ، بما يسمعونه عن الرجل من انه ” صانع الهيئات والرؤساء ومفتت الجماعات ، ونحات المناصب والكراسي ” ، في حين ان الياس العماري هو رجل نكرة في عالم السياسة ، وان التاريخ لايذكر للرجل اي موقف بطولي ، وان الرجل لم يطف على سطح السياسة إلا بانتقال السيد فؤاد عالي الهمة ذات يوم من ” مستشار للملك ” ، الى ممارس للفعل السياسي ، وان تجمهر الناس افواجا حول السيد فؤاد علي الهمة لم يكن نتاج بطولات الرجل ، بقدرما ان فؤاد عالي الهمة كان يمثل للناس امتدادا لشخص الملك ، وبحكم حب الناس للملك فهم بالتبعية يحبون كل قريب منه او محسوب عليه ، وفي هذه الظروف جاء تأسيس ذلك الحزب الذي اشترى من بعض المناضلين “مفتاح نضالهم ” ووضعت بعض الوجوه تاريخها السياسي جزءا من اصله التجاري ، فكان ان بات البعض يعتقد ان الوصول الى المناصب السياسية ، لا يتطلب عملا وتدرجا وصبرا وانتظارا ، بقدرما يتطلب الانخراط في حزب قريب من منطقة صنع القرار ، لذلك حز في نفسي ان يستأسد سياسي تشهد له السياسة بالكسل في حقلها جمعا من المحامين يوبخهم ويعيد تربيتهم ويوصيهم و”يجبد آذانهم ” ، تماما كما يفعل استاذ أمام الكسالى من تلاميذه ، ولا أحد من السادة المحامين احتج على اسلوب العماري معهم ، فالعماري له شرف ما بعده شرف إذا قبل محامون مجتمعون منحه شرف إلقاء كلمة بين صفوفهم ، وهو عليه ان يقدم فروض الاحترام للمحامين ، لا أن ينتحل صفة قديس او بابا ويقوم ب”تعميد ” محامين أمامه بماء سياسي ملوث .