مجتمع

“مشيتي فيها”..كاميرا مكشوفة!!!

تقدم القناة الثانية، في وقت تناول وجبة الفطور في هذا الشهر المبارك الكريم، برنامج الكاميرا الخفية تحت عنوان “مشيتي فيها”. اختيار تقديمه في هذا التوقيت يفيد بأن القناة تراهن على برنامج الكاميرا الخفية وتعول عليه لاستقطاب نسبة كبيرة من المشاهدين، فقررت تقديمه في وقت الذروة من حيث نسبة المشاهدة، متصورة، من وراء ما تعتبره طابعا فكاهيا للبرنامج، أنها سترفه بواسطته على الجمهور، وستوفر له فرصة الاستمتاع بمواده.
غير أن المتابع لحلقات سلسلة “مشيتي فيها”، يتبين له بسهولة أن لا علاقة لهذا البرنامج بالمفهوم المتداول للكاميرا الخفية. إننا أمام شبه أفلام قصيرة، تتراوح مدة كل فيلم منها بين 10 و13 دقيقة، ومتفق على مضامينها مع الضيوف الذين يقع عليهم الاختيار لتمثيل أدوار الأبطال أو الضحايا في البرنامج. لا نشعر بوجود تلقائية وعفوية بتاتا أثناء مشاهدتنا للحلقات المقدمة من السلسلة المذكورة، فكل شيء يبدو مرتبا ومجهزا بشكل مسبق، وحين يأتي المشاركون في الحلقات، فإنهم يؤدون أدوارا محددة لهم سلفا، ومرسومة بشكل مسبق.
ففكرة الكاميرا الخفية تنبني أساسا على مباغتة الضحية وتصويره في لحظة لا يكون فيها منتبها إلى أنه تحت رقابة الكاميرا، وأنها ستنقل حركته الخاطئة التي يقوم بها إلى الجمهور، دون علمه وإرادته. فتصرف “الضحية” المفترضة للكاميرا الخفية بشكل عفوي، وأحيانا بارتباك، وبنوع من الاضطراب، حين ضبطه في خطئه، هو الذي يجلب البسمة والضحك إلى قلب الجمهور، وهو الذي يعطي للبرنامج بُعده الجمالي.
قوة الكاميرا الخفية تتجلى حين تضع “ضحيتها”، فعلا لا ادعاءا، في نوع من الورطة والإحراج، وتسبب له قلقا يجعله يبدو في حيرة من أمره، باحثا عن الخلاص من ورطته، هذا الخلاص الذي يتبدى له، لحظة إدراكه، أنه كان ضحية الكاميرا الخفية، فتنفرج أساريره ويشارك هو بدوره الجمهور، حقا، في الضحك على نفسه، وعلى الوضع الذي ضبطته فيه الكاميرا الخفية.
تعتمد الكاميرا الخفية على تكثيف اللحظة الزمنية لكل حلقة من حلقاتها، فالحدث الذي ترويه يفترض ألا تتجاوز مدته ثوان معدودة، بالمقدمة والموضوع والخاتمة؛ لأن الصورة التي تنقله ترتكز على الإيحاء والاختصار والإيجاز لتترك المشاهد على جوعه ولهفته لتتبع ما تحتويه، فالتمطيط والإطناب يقتلان الصورة ويقضيان على جماليتها.
إن الحدث في الكاميرا الخفية بمثابة قصة قصيرة جدا، تروي موقفا محرجا عاشه شخص ما، وصار بموجبه مثارا لضحك تلقائي من طرف الآخرين، ضحك بريء لا ينال من كرامة الضحية ولا يخدش إنسانيته، بل إنه يقبل به بصدر رحب، ويفرح ويشعر بالسرور هو أيضا؛ لأنه كان مشاركا في برنامج فكاهي في لحظة قصيرة وعابرة جدا.
تتعامل الكاميرا الخفية عموما مع الناس البسطاء في الشارع وفي الساحات والأماكن العامة، فأبطال حلقاتها أو ضحاياها هم أناس عاديون تلتقطهم الكاميرا وهم في غفلة من أمرهم، فتجعل منهم في لحظة معينة مشهورين، وتصل صورهم إلى بيوت الملايين من المشاهدين. الكاميرا بهذا المعنى تنبع من أبناء الشعب، وتتوجه إليهم في عمومهم دون حصر ولا امتياز.
وتكون الميزانيات المالية المخصصة لكل حلقة، في الغالب، ميزانيات بسيطة لا تتطلب وفرة من الممثلين والممثلات والكومبارس؛ فالتركيز يكون على الحدث البسيط، وعلى الشخص الواحد الضحية/ البطل في الحلقة، لكي تصل الفكرة واضحة ومحددة إلى المتلقي ويتفاعل معها ضحكا ومرحا.
أما عندما يكون أبطال الحلقات، مثل ما يجري في “مشيتي فيها”، ممثلين وممثلات محترفين ومحترفات، ويتم استقدام البعض منهم من الخارج، تركيا أو مصر، للمشاركة في البرنامج، بتعويضات خيالية، وتكون مدة الحلقة تتجاوز العشر دقائق، ويبدو كل شيء مرتبا ومرسوما قبل بداية التصوير، وعندما يكون عدد المشاركين في الحلقات كبيرا، وتقع الانفجارات، والتصوير في الفنادق الفخمة، ويتم اعتماد عدد هائل من السيارات الفارهة، وتكون النتيجة هي عدم إثارة أي ضحكة أو مجرد بسمة في نفوس المشاهدين، فهنا لا نكون أمام كاميرا خفية لإثارة ضحك المشاهدين ومرحهم، ولكن نكون إزاء هدر للمال العام وتبديد له، وضحك على ذقون المغاربة.
هل يتم ذلك بشكل مقصود أو غير مقصود، العلم عند علام الغيوب، لكن المؤكد هو أن القناة الثانية عند نهاية كل موسم تشتكي من كونها تعاني ماديا وأنها على وشك الإفلاس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى