فتح رأسمال الأندية المغربية أمام المستثمرين… بين الإغراءات المالية وهواجس حماية الهوية الجماهيرية
▪︎عبدالهادي فدودي :منخرط بنادي الوداد الرياضي

تشهد كرة القدم العالمية تحولات متسارعة، عنوانها الكبير هو تغلغل رأس المال الخاص في هياكل الأندية. فمنذ تجربة الأندية الإنجليزية التي تحولت إلى شركات مساهمة، مرورًا بالاستثمارات الخليجية والأمريكية في كبريات الفرق الأوروبية، أصبح حضور المستثمرين عنصرًا أساسيًا في صناعة الرياضة. والمغرب ليس بمنأى عن هذه الموجة، حيث يتجه النقاش اليوم إلى فتح رأسمال الأندية أمام المستثمرين كخيار لتقوية القدرات المالية وتطوير البنيات التحتية. حيث نجد نوعين من التسيير عبر شركة مساهمة منها النوع الأول عبارة على شركة مساهمة بمجلس إدارة سريعة في القرار لكنها قد تركّز السلطة، حيث تُعتبر شركة المساهمة الخاضعة لنظام مجلس الإدارة إطاراً مؤسسياً فعالاً لاتخاذ القرارات، لما يوفره هذا النظام من سرعة ومرونة في التدبير، غير أن هذه الطريقة قد تتحول إلى مكمن ضعف إذا أدى تركيز السلطة بيد عدد محدود من الأعضاء إلى إضعاف آليات الرقابة والمساءلة، وهو ما يستدعي توازناً دقيقاً بين النجاعة والشفافية، وكذلك النوع الثاني عبارة على شركة مساهمة بمجلس رقابة وهيئة إدارة تفصل بين التسيير والرقابة، وتضمن تمثيلية أوسع، فالشركة المساهمة ذات مجلس رقابة وهيئة إدارة تقوم على مبدأ الفصل بين السلطة التنفيذية والرقابية، حيث تتولى هيئة الإدارة تسيير الشؤون اليومية للشركة، بينما يختص مجلس الرقابة بمتابعة أعمالها ومراقبتها، وهذا النموذج يعزز الشفافية، ويضمن تمثيلية أوسع للمساهمين، ويحقق توازناً بين الفعالية في التسيير والصرامة في الرقابة.
ومن أجل العلم الدقيق بأمور الشركة لابدا من معرفة دروس من التجارب الدولية حيث نجد مثلا في ألمانيا قاعدة 50+1 حيث ينص القانون الألماني على أن الجماهير والأعضاء يجب أن يمتلكوا على الأقل 50% + صوت واحد من أسهم النادي وهذا يمنع المستثمرين من السيطرة المطلقة، ويضمن أن القرارات الكبرى تبقى بيد المنخرطين، ورغم الانتقادات، فإن هذه القاعدة حافظت على هوية أندية مثل بايرن ميونخ وبوروسيا دورتموند، ومنعت تحوّلها إلى شركات خالصة، ونجد في إنجلترا نموذج السوق المفتوح حيث سمحت إنجلترا بفتح الأندية بالكامل أمام المستثمرين، فمانشستر سيتي أصبح مملوكًا لمجموعة إماراتية، وتشيلسي سابقًا لرجل أعمال روسي، ومانشستر يونايتد لشركة أمريكية، والنتيجة ضخ استثمارات ضخمة جعلت الدوري الإنجليزي الأكثر تنافسية وثراءً، لكن مع تراجع تأثير الجماهير وارتفاع أسعار التذاكر بشكل قياسي، أما في فرنسا التوازن بين العام والخاص، يفرض القانون على الأندية التي تتحول إلى شركات الاحتفاظ بجمعية رياضية أصلية تدير الجانب الهاوي وتضمن استمرارية الهوية التاريخية، باريس سان جيرمان مثال واضح مملوك لقطر للاستثمارات، لكن الجمعية الأم ما تزال موجودة، وهو ما يوفر حدًا أدنى من التوازن.
أما السياق المغربي القانون 30.09 وتجربة الشركات الرياضية في المغرب، والمتعلق بالتربية البدنية والرياضة، والذي ألزم الأندية الكبرى بالتحول إلى شركات رياضية قصد عصرنة التسيير والالتزام بالمعايير الاحترافية، حيث أنشأت أندية مثل الوداد والرجاء شركات رياضية، لكن الواقع أبان أن هذه الشركات بقيت في الغالب مجرد “واجهة قانونية” دون أن تغيّر جذريًا من طرق التسيير التقليدية، ورغم التحول القانوني، ما زالت الأندية تعاني من الديون وصعوبات في جلب مستثمرين حقيقيين بسبب غياب الثقة والشفافية، ولم تُصمم آليات واضحة تمنح المنخرطين أو المشجعين مكانًا داخل مجالس الإدارة أو الرقابة، وهو ما يحدث اليوم في الجموع العامة للأندية من النقاشات والتفسيرات والتخوفات، وهذا ما جرى لناديي الوداد والرجاء، حيث أن الإشكال ليس في النص القانوني وحده، بل في التنزيل العملي وغياب حكامة حقيقية، كل هذا تطلب العمل لإيجاد. تفعيل صيغة مغربية خاصة، وذلك بإشراك الجماهير عبر أسهم رمزية أو حضور تمثيلي في مجالس الرقابة، وتثبيت الهوية بنصوص قانونية تمنع بيع أو تغيير رموز النادي، وتدعيم الرقابة العمومية لضمان الشفافية المالية، مع بناء شراكات استراتيجية مع مستثمرين يلتزمون بمشروع رياضي طويل الأمد، وليس فقط بالمردودية التجارية.
ولهذا فتح الأندية المغربية أمام المستثمرين ليس مجرد خيار مالي، بل هو تحول بنيوي في فلسفة تسيير كرة القدم الوطنية، والقانون 30.09 وضع الأساس، لكن الممارسة أظهرت الحاجة إلى تطوير النموذج المغربي بما يضمن توازنًا دقيقًا بين المال، الرياضة، والجماهير.
ان إنجاح فتح رأس المال لن يتم الا إذا جعلنا الجماهير جزءا من القرار لا متفرجة على القرارات. فالمستثمرون يأتون ويذهبون لكن الجمهور يظل هو العمود الفقري للنادي.
إن المغرب أمام فرصة لصياغة تجربة فريدة تستفيد من دروس إنجلترا وألمانيا وفرنسا، وتضع الأندية في مستوى التطلعات، دون أن تفقدها هويتها كرمز اجتماعي وثقافي.