تونس تكتب قرآنها “للذكر مثل حظ الأنثى”

محمد الشمسي
لم يبق على المصادقة على قانون المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى في تونس سوى خطوات بسيطة ، لتصبح الآية في ” قرآن ” تونس هي ” للذكر مثل حظ الأنثى” ، ومن المتوقع جدا أن يحدث هذا القانون رجة ليس في تونس ، بل وخارجها في صفوف ساكنة الدول التي تدين بالإسلام ، حتى لا نقول المسلمة ، لأنه شتان بين المسلم وبين من يعتنق الإسلام .
لم تخرج تونس من قائمة الدول المسلمة بهذا القانون ، فالإرث ليس ركنا من أركان الإسلام ولا هو ركن من أركان الإيمان ، ثم لأن قانون المساواة في الإرث لا يهم كل التونسيين ، بل هو يعني منهم من لديه تركة سمينة هو تاركها لورثته ، وأما التونسي البسيط الكادح شأنه شأن باقي بسطاء وكادحي العالم فلا عهد له بهذا القانون ، هو يحلم بالمساواة في الحقوق وهو حي يرزق ، عن طر يق الحرص على التوزيع العادل والمتساوي لثروة الشعب على كل طبقاته وفئاته ، وليس تأجيل المساواة إلى ما بعد زيارة “ملك الموت” .
سنربع الأيدي ونتابع لأربع أو خمس سنوات لنرى ماذا ستحقق الشقيقة تونس للتوانسة بقانونها هذا ؟، هل كان ينقص تونس فقط التطاول على أمر إلهي فيه من الحِكم ما لا يفقهها غير علماء المواريث ؟ ، وهل ستكسب المرأة التونسية من هكذا قرار أم ستخسر ؟ ، ولنخلص هل كان القرار بقصد “تنموي وحقوقي” ، أم كانت النية سياسية لجس نبض الشارع التونسي تمهيدا لقرارات أكثر جرأة على تعاليم الله التي سنها الله لخلقه من المسلمين لتيسير تحقيق خلافتهم لله في الأرض ؟ ، فقد بات التطاول على دين الله عربون ولاء من بعض الأنظمة تقدمه للأوروبي والأمريكي ، في زمن خرقنا فيه قاع الحضيض في كل شيء.
في علم المواريث لا يرث الرجل ضعف ما ترثه المرأة إلا في أربع حالات معدودة محددة ، حالة وجود البنت مع الابن ، وحالة وجود الأب مع الأم دون وجود أولاد ولا زوج ولا زوجة ، وحالة وجود الأخت الشقيقة أو الأب مع الأخ الشقيق أو للأب ، وحالة موت أحد الزوجين ووجد ولد أو لم يوجد ، ووحدها هذه الحالات الأربع هي التي طفت على سطح الميراث ، وهي التي بسببها قيل في دين الله ما لم يقله عدو في عدوه ، لكن بالتوغل في علم المواريث دون غلو ، نجد انه وفي سبع حالات اخرى يكون “للأنثى مثل حظ الذكر” ، حيث تتساوى المرأة والرجل ، بل تعود المرأة لترث أكثر من الرجل في ست حالات أخرى ، بمعنى أنه بإعمال منطق الغالب والمغلوب ، فميراث المرأة يتأرجح في 13 حالة بين مساواتها مع الرجل و التفوق عليه ، وفي أربع حالات فقط ترث المرأة نصف ما يرث الرجل ، والأذكى من ذلك أن علماء المواريث أشاروا إلى وجود ثلاث حالات ترث فيها المرأة ولا يرث فيها الرجل بالمطلق ، ولا يسعني المقال ها هنا لتعداد الحالات المذكورة أعلاه ، لكن يمكن لكل متتبع ومهتم أن يعود لكتب المواريث والفرائض لإشفاء غليله.
ولأن المناسبة شرط ، فإن قانون تونس في المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث ، يبقى شعارا سياسيا يسترزق به أشباه السياسيين الصدقات من الاتحاد الأوروبي ، ومن الأمم المتحدة وغيرها، مستغلين جهل أهل الغرب بعلم الفرائض كما سنه الإسلام ، فقد كان الإسلام رحيما بالمرأة وهو يمنحها حالات ترث فيها مثل الرجل أو أكثر ، وحالات تستأثر فيها بالإرث دون الرجل ، لكن قانون تونس هذا سيساوي في الإرث بين الرجل والمرأة كيفما كانت الوضعية والحالة والنازلة ، وكيفما كانت درجة القرابة بالهالك ، فيكون هذا القانون قد انتصر للرجل ضدا في حقوق المرأة ، وبالتبعية يكون هذا القانون زاد المرأة ظلما وقهرا في مجتمع لا مشكلة فيه للمرأة مع شرع الله ، بل مشكلتها مع شقيقها الرجل الذي يعتبرها عدوه الأول ، ويرى في تمتيعها بكافة حقوقها تهديدا لحقوقه ، وهو يتوارث هضم حقوقها مع الأجيال ، ويتحجج بظلم الأديان وجور العادات ، ويبعد عنه التهمة بشكل صبياني و طفولي لكن غير بريء .
وفي المحصلة فإن كفر تونس بآية قرآنية معلومة صريحة ، ليس مبررا لنعتها بالكفر ، وأنه آن الأوان لنتخلص من “تقيتنا الشيعية ” ، فالمشكلة لا تكمن في مخالفة نص في علم المواريث ، لأن الإرث ليس عاملا محددا وحاسما في تكوين الثروة في الدول الفقيرة والمتخلفة كتونس وغيرها من الدول العربية ، المشكلة تكمن في مخالفة دين الله على مستوى الإيمان بالقيم والمبادئ العظيمة التي أوحى بها الله لرسوله الكريم في كتابه العزيز ، قيم الصدق والعمل المتقن الدءوب ، قيم العدالة وشهادة الحق لنا وعلينا ، قيم طلب العلم والكفر بالخرافة ، قيم تفريد الله بالعبادة دون غيره ، وعدم تقديس خلق الله ، قيم الحب والإخلاص، قيم الموعظة الحسنة ، وقيم كلمة الحق عند مسؤول جائر ظالم ، قيم الغضب الجارف للكرامة ، فإذا كنا قد أضعنا كل ما سبق بسطه أعلاه ، فقد أضعنا الدين كله ، وتشابهت علينا الآلهة بين رب لا نعرفه إلا في الشدة ، وأرباب نعبدهم في الرخاء ، وبتنا نولي وجوهنا للبيت الأبيض أو لبرج “إيفيل” أو لساعة “البيك بان” أو “الساحة الحمراء” ، وننزع حلي نسائنا لنسلمها غنيمة إلى السمسار “ترامب” ، ونكذب على أنفسنا بتدين صوري لا يتجاوز أحلاقنا ، ونقيم الليل بلا طعم الإيمان ، ونملأ بيوت الله بلا أخلاق الله فينا ، ونتلوا القرآن بلا تفكر ولا فهم ولا استيضاح ، ونشهد الزور بمقابل ، ونظلم بعضنا ولا نبالي ، ونزف الشرف والكبرياء في فراش الأغنياء الأغبياء ، ونحج بيت الله مقلدين لا مقتنعين ، ونحاضر في الضمير المهني وقد رهنا ضمائرنا بشواهد طبية كاذبة ، ونسرق من وقت أرباب عملنا ، وننحت الطواغيت من صناديق الاقتراع ، ونعتبر مال الأمة غنيمة ، ونسير في الأرض مرحا لنخرقها ، ولنبلغ الجبال بالجاه والقوة والنفوذ .
إذا كانت هذه خصالنا وهي كذلك ، فلا يضيرنا أن نتخطى آية الإرث ، فمن يقترف الكبائر لا تحركه الصغائر ، ومن حِكم الله في خلقه أن توصلنا أعمالنا ونوايانا إلى هكذا مرحلة وحالة ، فالمعادلة الكيميائية السليمة لا تستقيم ، حين يستقيم من لا يدري ، ومن لا يدري أنه لا يدري ، ومن يتباهى بأنه لا يدري ، ويصر على أن يبقى لا يدري ، لذلك لا حق لنا في أن نغضب على قانون التوانسة ، ليس لأنه لا يعنينا ، بل لأننا نغضب الغضبة الخطأ ، فحري بنا أن نغضب لقلوبنا المريضة حتى لا يزيدنا الله مرضا ،وحري بنا أن نستفيق من نومة أهل الكهف، فقد بتنا أمة نشتري أمننا وسلمنا من غيرنا وننتشي ، أمة نفرت العلم والمعرفة و حضنت التيه والضلال ، أمة تستهلك الكلام كما تستهلك “البيزا” أو “الخبز وأتاي” ، أمة كفرت بالمساواة في الحياة ، وآمنت بها في الإرث بعد الممات .