الرأي

رسالة إلى بنكيران بعد الإعفاء

السيد عبد الإله بنكيران ، يتم اليوم إعفاؤك من مهمتك كرئيس حكومة معين ، وتخرج من المشهد خروج الأبطال ، ويبقى خصومك صغارا ، تخرج أنت وقد انبرى النكرات في عالم السياسة إلى مد أعناقهم لشراء أصل تجاري سياسي ، وحاول من طوحتهم صناديق الإقتراع إلى مؤخرة الترتيب ، دخول ركح المسرحية لأداء دور باهت ، كنت أنت هو أنت ، شهم وشجاع ومتشبث بشرعية الشعب ، تدافع عن ديمقراطية مجهرية لا قبل لنا بها ، ونحن الجيل الذي عاصر ادريس البصري يكفيه شرا أنه جمع بين الداخلية والإعلام وأشياء أخرى في حقيبة واحدة ، كان يومها القمع يواجه بالرجال الأشداء الذين خلفهم نساء عظيمات ، أما اليوم فقد تقولب الجميع في قوالب واحدة ومتشابهة ، بات الجل يطمع في التربع على مقصورة القيادة رغم أن الشعب لم يسلمهم رخص السياقة ، صاروا ينتقمون من الشعب برمي المسامير في طريقه ، وحرمانه من جني ثمار إرادته ، وأضحوا يجذبون الوطن إلى الخلف ، بعضهم اكتشف مواهبه السياسية فجأة .

ونسي أن النجاح في البيع والشرا ، لا يعني بالضرورة النجاح في السياسة ، وبعضهم تنكر لتاريخ حزبه المجيد ، يوم كانت صفحة من جريدته تقيم الدنيا وقد لا تقعدها ، والبعض الآخر من أشباه السياسيين صار لا يخجل من كونه مجرد ظل للأشباح ، يأتمر بأوامرهم ، أما أنت فوضعت ثقة الشعب فيك في كفة ، وشطحات أولئك القوم في كفة ثانية ، واخترت أن تبقى أمينا وصادقا مع نفسك واختياراتك ، وفضلت إرجاع المفاتيح إلى جلالة الملك على أن تقبل رئاسة حكومة تكون فيها مجرد كومبارس يعرض نفسه للخطر بدلا عن البطل الوهمي ، هنيئا لك بانتصارك وبشموخك وبإصرارك ، ليس فقط لأنك فضحت لعابهم السائل لأجل الانقضاض على المناصب ، لكن لأنك كشفت للشعب من أي معدن هم .

خرجت مرفوع الهامة ، وعدت إلى بيتك عودة الفاتحين ، وتركتهم يضعون الأيادي على القلوب مرتجفين من قرار إعادة الانتخابات ، وخروج الشعب جماعات ووحدانا لإعادة منحك شرف الزعامة ، ويمنحهم المراتب الأخيرة كالعادة ، هم المرعوبون الفزعون ، هم الذين ودوا لو يعطوا الغالي والنفيس لأجل أن يقتربوا من الصدارة ، فبئس زمان بات فيه الكسول بمعدل ضعيف يفرض شروطه على المتفوق ، وبئس زمان صار فيه المجد يهابه الكسالى ، وأنت رئيسا للحكومة تفزعهم ، وأنت تحاورهم لتشكيلها تقلقهم ، وحتى وأنت خارج أسوار رئاستها تشغلهم ، لأنك صدقت مع نفسك ومع مبادئك ، ولأنهم يكذبون على أنفسهم ، وما يرهبهم أنهم يدركون حجم كذبتهم ، فلو أعيدت الانتخابات لما نفعتهم منشطاتهم ، ولما أسعفهم غشهم عند الانطلاقة وعند الوصول ، بعضهم استعان بالباشوات وآخر بالشكارات ، لكن الشعب لم يعد كما كان ، وهيهات أن يخدعه السراب .

لعلها مرحلة طبيعية من مراحل ميلاد شرنقة الديمقراطية ، وسيكتب لك التاريخ أنك حضنت البيضة ومنحتها الدفء اللازم ، وسلمتها سليمة معافاة ، وسيذكرك التاريخ أنك وضعت لبنة صغيرة في جدار ديمقراطية جنينية ، لا تزال تتكيف مع مناخها الجديد ، مع شعب لا يزال يتحدث عن معتقلات سرية ، وتشغله لقمة العيش أكثر ما تشغله لعبة السياسة ، أما هم فيكفيهم مهانة ما هم فيه ، الشعب لا يريدهم ، وهم يريدون أن يحكموه ، وصناديق الاقتراع تصفعهم وهم يصرون على اتخاذها كراسي لهم ، وحده قرار جلالة الملك بإعفائك أنت سيزيد عزلتهم ، فهل كانوا يرفضونك لشخصك ولشخصيتك ؟ أم كانوا يريدون ترويض الشعب الذي عزلهم في الزاوية ؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى