رسالة لرئيس جهة الدار البيضاء قبل …

لقد كلفني سكان دواوير تابعة لنفوذ جهتكم أن أنقل إلى كريم علمكم أنهم وأخيرا تم تزويدهم بمادة الكهرباء ، بعد 12 سنة من الشكايات والوقفات والمسيرات ، وأضاف أولئك البسطاء أنهم خرجوا في مسيراتهم رغما عن أنوفهم ، ومشوا قبالة مقر عمالة اقليم بن سليمان ونددوا بالإهمال الذي يعيشونه في ظل دولة يعتقدون أنها لا تعرف مساكنهم على الخريطة ، فلم يكن أهل دواوير أولاد وهاب والمدنيين ولقدامرة بجماعتي الزيايدة ومليلة بغقليم بن سليمان ، أهل وقفات ولا احتجاجات ، بل هم قوم مسالمون الى درجة الخنوع ، يعتبرون تهميشهم وإقصائهم قدر الله المقدر عليهم ، ويعتبرون تحمله والصبر عليه طاعة وعبادة ، إلى أن ظهر فيهم المحرض ودعاهم إلى الغضب والاحتجاج ، ونفخ دواخلهم بمفاهيم القانون والدستور والكرامة والشهامة والرجولة ، فسايروه على مضض ، وخرجوا خلفه في أول وقفة احتجاجية لهم بعد أن ودعوا زوجاتهم وأبنائهم ، لأنهم قد لا يعودون إلى بيوتهم ، فاللعب مع “المخزن” حرام في قاموسهم ،والمخزن بحسبهم هو المالك لرقابهم وزوجاتهم وبناتهم وبنيهم ، صدحوا يوم مسيرتهم بمطالبهم : إنارة قنطرة طريق .
واعتبروا أن استقبالهم من طرف عامل اقليم بن سليمان يومها بل ومصافحته لهم يدا بيد هو إنجاز ما بعده إنجاز ، وودوا لو يعودوا أدراجهم بعد هذا الإنجاز ، فهذا عامل صاحب الجلالة يرونه جهارا ويلمسون يده ويسمعون منه كلاما لطيفا وهم الذين بالكاد يقابلون مقدما أو شيخا ، غرقوا يومها في خجلهم ، ثم هؤلاء رجال الشرطة يرافقونهم في مسيرتهم ويسمعون شعاراتهم الحارقة ، دون أن يعتقلونهم ، تم تشكيل لجنة من مختلف المصالح لدراسة الملف المطلبي لهؤلاء القوم ، واعتقد الناس يومها ان الحاجز بين التهميش والحل كان فقط تلك المسيرة .
وتشكلت اللجنة دون ان يتحقق شيء على الأرض ، بقي الناس هناك بلا قنطرة بلا طريق بلا إنارة ، وعاودوا وقفتهم وتجددت مخاوفهم من “غضبة المخزن ” ، فالمخزن بحسبهم هو “مول لبلاد” ، وهو ” مول القانون ” ، ومن لم يعطه المخزن حقا عن طيب خاطر فلا سبيل له ، كانت الشعارات بذات الحماس من ذات الشباب المتمرد على الجيل القديم من الدوار ، وكان الاستقبال من طرف ذات المسؤول بذات البشاشة وذات الوعود وتشكيل ذات اللجنة ، وكانت في نهاية المطاف ذات النتيجة في كلمتين “لا شيء” ، عندما يشتد القيظ يحلم هؤلاء الناس بشربة ماء بارد فلا يجدون كهرباء يشغل ثلاجة ، وعندما يسيل المطر ويفيض الواد يبقى نصف الدوار بعيدا عن المدرسة وعن المقبرة وعن السوق وعن المسجد ، وعندما يعتدل الطقس وترفع حالة “حظر التجول” لا يجدون طريقا توصلهم الى مآربهم ، طريق حفرها أكثر من ترابها ، لا يماثلها مظهرا سوى طرقات قندهار ومسالك تورا بورا .
القنطرة التي أمر عامل الاقليم ببنائها على الوادي قبالة المدرسة والمقبرة بدوار اولاد وهاب انهارت قبل إتمام أشغالها ، وتواطأ المقاول والمهندس وابتلعوا ميزانية القنطرة وشيدوا هيكلا أجوفا لا زال غارقا في قلب الوادي ، وملفها بين يدي القضاء لانه وجه من أوجه تبديد المال العام ، عاود الناس وقفتهم بحماس فاتر، فكان أن زارهم عامل الاقليم في دوارهم ولم يصدق معاليه ما رصدته عيناه ، إقصاء وتهميش وهشاشة لا تكون حتى في أفلام الفقراء ، وهو ما عبر عنه معالي العامل للسكان وبشكل مباشر وعلني ، ولأن إجراءات خلق صفقة جديدة لبناء قنطرة أخرى يتطلب وقتا وطول مساطر ، فقد سارع ذلك الرجل جازاه الله خيرا إلى توظيف علاقاته واستمالة أحد المحسنين لبناء جسر حديدي فوق الوادي يوصل الدواوير ببعضها في موسم الأمطار ، وأمر بدراسة حقيقية وعاجلة لملف تزويد الناس بنعمة الكهرباء ، وبقي الناس في الظلام ينتظرون نتائج تلك الدراسة وارتباطها بما من ديون على عاتق الجماعة القروية لهؤلاء ، وثبت أن رئيس الجماعة القروية الذي يحكم هؤلاء اختلس الميزانية فسيق الى السجن ، وبقي الناس في ظلامهم ، إلى أن جاء الفرج في منتصف يونيو 2017 حيث أفرج عن التيار الكهربائي ليصل الى الدوار ولا زال الناس هناك يحتفلون به كما يحتفل الهنود الحمر بالنار ، لكن لازال الناس ينتظرون الافراج عن الطريق ويحلمون بقنطرة وليس مجرد ممر حديدي تضمن لهم الحق الدستوري في التنقل .
يا رئيس الجهة هل يعاود الناس هناك وقفاتهم الاحتجاجية التي لا أحد يتوقع مداها ؟ هل يحولونه إلى حراك جديد تبدو البلد في غنى عنه ؟ أم أن رسالتهم ستصلكم لتشقوا لهم طريقا وتبنون لهم قنطرة ، فمن العار أن يحتج المواطن لأجل مطالب هي في الأصل ضمن واجباتكم اليومية التي من أجلها تسوسون الأمة ، هذه رسالتهم وننتظر استجابتكم ؟ .