دفاعا عن هيئة الدفاع : بعيدا عن الصور النمطية وقريبا من الواقع

كازاوي
تكاد المحاماة والصحافة تشكلان وجهان لحرية تعبير واحدة ، المهنتان هما أختان شقيقتان بل أكاد أجزم أنهما توأم ، وقد ظل عدد كبير من المحامين والمحاميات صحافيون مقنعون ، ومن من هم مسؤولون في مؤسسات إعلامية خاصة الحزبية ، باعتبار المحامي السياسي له قبعتان مهنية وحزبية ، وفي الوقت التي تحتمي به “صاحبة الجلالة” بهيئة الدفاع عندما يتحرش بها غول فصول المتابعات أو الاعتقالات ، فتهب أسرة الدفاع للدفاع عن الصحافي أو الصحافية أو الصحيفة وبالمآت ، فإن المحاماة كلما ضاق صدرها تلجأ الى شقيقتها الصحافة لتدعمها في نضالها .
يواجه المحامون في هذه الأيام مقترح إدارة الضرائب ، بعدما تبين لهم أن مقترح هذه الأخيرة ، هو بداية لف حبل المشنقة حول رقابهم ، وهم يرفضون المقترح بصيغته الذي فرضته عليهم الإدارة ، وليس من باب استثنائهم من الكلفة الضريبية ، وفي الوقت الذي تنبري فيه عدد من المؤسسات الإعلامية مشكورة لنقل وتغطية أخبار المواجهات بحياد وتجرد وموضوعية ومهنية ، ولو أن المهنية تقتضي نصرة الطرف الضعيف في النازلة ، صاحب القضية العادلة ، وطبعا يبدو المحامون بجلالة قدرهم الطرف الضعيف أمام هيلمان إدارة الضرائب ، المؤسسة الأقوى في كل بلد ، بسبب ما حباها المشرع به من قوانين تجعلها تصل إلى أموال الملزم دون حتى الرجوع الى المحكمة .
بعض الصحافيين وجدها فرصة للتهجم والنيل من مهنة المحاماة ، وكتب ـ سامحه الله ـ مقالا تهكميا في الموضوع ، يحاول من خلاله أن يوصل للقراء أن المحامين والمحاميات ومعهم الأطباء هم قوم انتهازيون متهربون ضريبيا ، هم قوم أثرياء أغنياء ، ومع ذلك يتباكون ، هم قوم …هم قوم …
طبعا ليس كل ما يلمع ذهبا ، وليس كل محام أو محامية هو موسر بالضرورة ، صحيح أنه هناك مكاتب محاماة مغربية ذات صيت عالمي ، وأهلها من أهل المال والثراء ـ زادهم الله من فضله ـ ، لكن كم يشكل هؤلاء في جدول المحامين والمحاميات على المستوى الوطني ؟ ، لذلك فإن تقديم المحاماة على أنها مهنة الميسورين المتملصين ضريبيا ومن طرف مؤسسة إعلامية يعتبر إخلال مهنيا ونشرا لمعلوم مغلوطة ومساهمة في إشاعة صورة نمطية تقول إن المحامين والمحاميات قوم منتعش ماديا ونقطة نهاية .
وللتوضيح فالمحامي يستهل مهنته بنجاحه في الامتحان الذي تشرف عليه وزارة العدل ، ثم يلتحق بالهيئة التي يختارها ، ويؤدي واجب الاشتراك الذي يصل في بعض الهيئات الى 10 ملايين سنتيم ، عليه تدبرها ليسددها كاملة بدون نقصان ، وداخل أجل محدد تحت طائلة رفض تسجيله ، وبعد تدبر المبلغ بجيمع الوسائل ، وارتداء بذلته وأدائه القسم والتحاقه كمتمرن في مكتب مأذون له بذلك ، يمضي فيه 3 سنوات بمنحة رمزية ، ويواصل حضور ندوات التمرين يتعلم فيها قواعد وأصول ممارسة المهنة ، وينعش ذاكرته بمراجعة نصوص ومساطر قانونية ، ويمنع عليه القانون خلال مدة التمرين الدفاع عن مصالح الأطراف ، والاكتفاء بحضور الجلسات كممثل عن المحامي او المحامية صاحب المكتب الذي يتمرن فيه ، بمعنى لا يكون لهذا المحامي او المحامية اي دخل مالي خلال هذه الثلاث سنوات ، على الاقل يعينه على الحافظ على هندامه الذي يجب أن يعكس مكانته الاجتماعية كمحام ، وبعد إنهاء الثلاث سنوات يكتسب المحامي رسميته التي تسمح له بفتح ملفات في اسمه ، ويضطر مرة أخرى لتسديد واجبات الرسمية للهيئة التي ينتمي اليها ، ثم ينطلق في رحلة البحث عن مكتب يأويه لممارسة مهنته ، وحتى إن وجد مكتبا فصاحب المكتب يشترط عليه منح الأولوية لملفات المكتب ، ويتحول المحامي الى أجير لدى صاحب المكتب ، وقد يتفق المحامي مع بعض من زملائه لكراء مكتب بشكل جماعي وليست كل مرة تسلم جرة العمل الجماعي ، وقد يغامر المحامي بالاستقلال له بمكتب يماس فيه مهنته ، يبحث من خلالها عن قوته اليومي خاصة ونحن هاهنا نتحدث عن شاب أو شابة في مقتبل العمر ، ينتظره إنشاء اسرة والاستقلال بسكن ، وتحمل أعباء ما ينتج عن ذلك ، لاسيما إنجاب أطفال كبقية خلق الله ، كما ينتظره أبوان وأحيانا إخوة للإنفاق عليهم ، في مجتمع يؤمن بالتكافل ويحيا بالتضامن الأسري ، في وسط كل هذه الزحمة وهذا الضغط لا تقدم الدولة أي دعم أو سند لهذا المحامي او المحامية ، تترك الأقدار تدحرجه وتتلاعب به ، وهو يتلقى الضربات من كل الجهات مكابرا متحملا ، يرفض أن يسلك مسالك الانحراف المهني ، وطبعا هناك من يضطر لذلك تحت هول هذه الضغوط .
هذا المحامي وهذه المحامية القادمين من القاعدة الشعبية التي تعاني الهشاشة ، يمضي عمره المهني في البحث عن التوازن ، ما بين إكراهات حياة يومية لا ترحم ، وما بين الامتثال لأخلاقيات المهنة وقواعدها والقانون المنظم لها ، ويدافع عن حقوق موكليه بكل إخلاص وتجرد وصبر ، دون المرور على معاناة هذا المحامي او المحامية مع موكليه الذين يمثل مصالحهم ، على مستوى فقرهم وقلة حيلتهم حينا ، و رفضهم او امتناعهم تسديد أتعاب المحامي ، وأحيانا الهجوم على المحامي عند صدور حكم في غير مصالحهم .
ودون الحديث عن إغراق الدولة لمهنة المحاماة بمآت المحامين الملتحقين بالمهنة كل سنة ، بدون تتبع او مواكبة ، ودون الحديث عن احتكار المكاتب الكبرى للملفات المهمة ماديا خاصة في المادة التجارية ، ودون الحديث عن وجود منافسة شرسة من عدد من المهن غير المهيكلة التي تنافس المحامي في قوت يومه ، مثل الكتاب العموميين والمستشارين القانونيين ، وغيرهم .
هل بعد كل هذا الثقل يمكن للمحامي أو للمحامية أن يتحمل عبء ضريبيا ثقيلا ومجحفا ؟ ، فهذا المحامي لا يطلب إعفاء ، بقدر ما يرغب في مقترح يراعي مشاكله وهمومه ، فالضريبة إنما تكون على مكسب ، فماذا لو كان المكسب على مقاس أو تحت سقف الإنفاق والحاجة ؟ .