جائحة كوروناصحة

كيف نتغلب على الآثار النفسية السلبية لجائحة كورونا

بعد تفشي فيروس كورونا في العديد من مناطق العالم، اعتمدت الدول مجموعة من التدابير الوقائية والاحترازية بدرجات صرامة متفاوتة من دولة إلى أخرى بهدف الحد من تفشي هذا الوباء. من بين أهم البروتوكولات الصحية المتخذة تعليق جميع الرحلات الجوية والبرية، وتجميد معظم الأنشطة السياحية والاقتصادية وإغلاق المدارس والجامعات وإجبارية ارتداء الكمامات داخل الأماكن العمومية من أجل تقليل خطر الإصابة بالعدوى. نجد كذلك إقرار الحجر الصحي بعدد من المناطق والذي يعتبر أحد أقدم الطرق وأكثرها نجاعة لمحاربة تفشي الأوبئة والأمراض المعدية منذ القدم. اذ استعمله الكهنة قديما لمنع تفشي بعض الأمراض المعدية كما استعمل إبان حكم الأمويين بدمشق اذ تم بناء أول مستشفى حيث كان يتم عزل المصابين بالجذام عن بقية المرضى. أما كلمة الحجر الصحي أو ما يسمى quarantaine فهي مشتقة من كلمة quarantena بالإيطالية والتي كانت تستعمل للتعبير عن الحجر الصحي بإيطاليا، اذ تم اللجوء إليه بميناء البندقية خلال القرن الثاني عشر (1127) أثناء تفشي مرض الجذام، حيث كان على السفن القادمة من المناطق المصابة الرسو والانتظار لمدة 40 يومًا قبل السماح للركاب المشتبه بإصابتهم بالعدوى بمغادرة السفينة، كما تم اللجوء إليه بعد مرور ثلاثة قرون بإنجلترا كإجراء صحي رسمي وقائي لمواجهة انتشار الطاعون او ما سمي بالموت الأسود.
وإذا كان اضطرار جميع الناس محلياً ودولياً للمكوث معظم الوقت في المنزل إلى حين زوال خطر تفشي الوباء ضرورة حتمية يفرضها الوضع الصحي الاستثنائي، فإن هذا الظرف قد يترتب عنه إجهاد نفسي وعاطفي لجميع الأفراد مما يستدعي منا الوقوف لدراسة وفهم أبعاده السيكولوجية والاجتماعية بشكل عام.

أهم الاثار النفسية المرتبطة بالجائحة

أثبتت العديد من الدراسات المتخصصة في دراسة سيكولوجيا الأوبئة ظهور أنماط سلوكية ونفسية مرتبطة بفترات انتشار الأمراض تتغذى على موجات الخوف الجماعي. اذ أن كل وباء جديد لا علاج له ولا معلومات دقيقة حول انتشاره وطرق مكافحته، يعزز الخوف والهلع من المجهول وهو ما ينعكس سلبا على سلوكيات الأفراد التي قد تصبح غير منطقية، فنجد البعض وقد أصبحوا فريسة لانفعالاتهم وخوفهم يبالغون مثلا في تكديس البضائع والتهافت على السلع والمستلزمات الطبية. وتأكد الإحصاءات الحالية تسبب ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا بمختلف أرجاء العالم بحالة من الذعر والتوتر الشديد بسبب الخوف من الإصابة بالعدوى أو من فقدان أحد الأقارب. وتشير الأبحاث الأولية إلى أن أبرز الآثار النفسية المسجلة المترتبة على انتشار فيروس كورونا تتمثل في:
– ارتفاع مستويات القلق والتوتر،
– الانفعال الشديد،
– ضعف التركيز،
– الإرهاق الدائم،
– انعدام الشعور بالأمان،
– مشاعر الإحباط،
– صعوبات في النوم،
– زيادة أو فقدان الشهية،
– الميل للعزلة،
– إضافة إلى صعوبة في اتخاذ القرارات.

كما يمكن لهاته الأعراض الجسدية والنفسية أن تتطور إلى اضطرابات نفسية شائعة مثل القلق أو اضطراب الاكتئاب لدى الأشخاص الأكثر قابلية للاضطرابات السيكولوجية، وذلك نتيجة للضغوطات الشديدة ونوبات الهلع التي يتسبب بها انتشار الوباء. وقد تختلف حدة هذه الأعراض من شخص لآخر حسب نمط شخصية الفرد وحسب ظروف عيشه، كما تشير نتائج دراسة حديثة أجراها مجموعة من الباحثون تم نشرها حديثا بدورية ” the lancet”، أنه كلما طالت مدة العزل الصحي كلما كان الشخص أكثر عرضة للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة. ويعتبر العامل الاجتماعي أيضا من بين أهم العوامل المسؤولة عن تدهور الحالة النفسية خصوصا لدى الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم وتضرروا ماديا خلال الجائحة. ويؤكد العديد من الأطباء والباحثين أن القلق والتوتر الشديد ينعكس سلبا على نفسية الكثير من المصابين ويؤدي إلى إجهاد معظم الأجهزة الحيوية بالجسم، أهمها الجهاز المناعي للجسم المكلف بالدفاع عن الجسم ضد الأمراض والذي يصبح غير قادر على التصدي لعدوى الفيروس، مما يترتب عنه ارتفاع خطر الإصابة وكذا تفاقم حدة الأعراض العضوية المرتبطة بالمرض نتيجة حدوث خلل في وظيفة الجهاز المناعي.

استراتيجيات التكيف مع الضغوط النفسية الناجمة عن الوباء

انتشار وباء كورونا تعدى الأثار الجسدية وبات يهدد سلامة الصحة النفسية للأفراد، مما يؤكد أهمية التدخل السيكولوجي والمواكبة النفسية للأشخاص الذين يعانون من وضعية نفسية هشة من أجل تخفيف حدة القلق العام وتحجيمه وتقديم العلاج في الوقت المناسب من أجل تجاوز هذه الظرفية بأقل الاضرار النفسية والاجتماعية الممكنة. وهو ما برز عنه انشاء مجموعة من خلايا سيكولوجية للإنصات والدعم النفسي من طرف مجموعة من الأساتذة الجامعيين والمختصين في علم النفس، والتي تسمح لطالب المساعدة بالتعبير عن همومه وانفعالاته وتساعده على التدبير الإيجابي للمشكلة وتعزيز قدراتهم التكيفية.
ويجمع أخصائي علم النفس أنه ليست هناك حلول سحرية لتجنب الوقوع في مشاكل نفسية، لكن لكل شخص قدرته الخاصة للتكيف (coping) والتعامل بشكل فعال مع التوتر والقلق. ومن بين أهم الاستراتيجيات الممكن اتباعها لتجنب الوقوع في مشاكل نفسية أو أسرية، حسن استثمار وتدبير وقت الحجر الصحي في المنزل، والمحافظة على روتين لجميع أفراد الأسرة من خلال وضع برنامج يومي يتضمن كل ما يجب القيام به مع تحديد ساعات للعمل وساعات للترفيه وأخرى للاستفادة من الدفء العائلي وخلق فرص للمرح والتواصل. إضافة لأهمية المحافظة على نظام غذائي صحي يساعد على تقوية الجهاز المناعي، وتجنب العادات الغير سليمة مثل التدخين، والكحول وممارسة الرياضة بانتظام. كما يوصي الخبراء بتجنب كل مسببات التوتر وتغيير البيئة المسؤولة عن حالة القلق والتوتر، والعناية بالقدرات العقلية من خلال قراءة الكتب والمجلات والمقالات والرسم، وكذا التخلص من الضغط النفسي عن طريق ممارسة إحدى الهوايات المفضلة والتركيز على كل ما هو إيجابي. وأخيرا الابتعاد عن جميع الأخبار الزائفة والشائعات التي تغذي القلق والإحباط، فعادةً ما يصاحب انتشار الأوبئة الجديدة موجة من الشائعات التي يطلقها البعض ويصدقها ملايين الأشخاص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى