عن المساواة في الإرث من جديد

أطل الرئيس التونسي على التونسيين بمقترح مساواة النساء مع الرجال في الإرث ، الرئيس الذي ناهز السبعين من عمره ، الرجل الذي بدل محاكمته كأحد فلول النظام البائد ، بات رئيسا لتونس ما بعد ثورتها الشعبية ، مقدما نفسه للعالم الغربي بأنه بديل لحركة النهضة والإسلام السياسي .
وعودة لمقترح المساواة في الإرث بين المرأة بالرجل ، فالثابت أن المراهن عليه إما أنه كسول في علم المواريث ، أو أنه حاقد على القرآن الكريم ، فالمرأة لا ترث نصف ما يرث الرجل إلا في أربع حالات على سبيل الحصر ( وجود ابناء وبنات للهالك ، وجود اخ شقيق مع اخت شقيقة للهالك ، وجود أب وأم للهالك ، حالة وفاة زوج عن زوجته أو زوجة عن زوجها ) ، وباقي الحالات تتفاوت بين حالات ترث فيها المرأة مثل ما يرثه الرجل ، وحالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل ، وحالات ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل ، فهل حال الأمة كله متوقف على مساواة بين الجنسين في الحالات الأربع المذكورة اعلاه ؟ ، وهل سيشمل قانون المساواة هذا حتى الحالات التي كانت ترث فيها المرأة أكثر من الرجل وما أكثرها ؟ فيكون القانون الجديد قد سلب من المرأة بيسراه ما منحه لها بيمناه .
بغض النظر عن تخاريف معالي الرئيس وهو في أرذل العمر ، فإن مساواة الرجال مع النساء في الارث لا يستحق كل هذا الزعيق ، فأما المطبلون له فهم شرذمة من بقايا اليسار المتلاشي ، الذين يقدمون أوراق الاعتماد للغرب طامعين في أن يرضى عليهم ويكتبهم في خانة المقربين ويدفع بسفاراته وقنصلياته ومخابراته الى مساعدتهم في الوصول الى السلطة في بلدان لا تثق شعوبها بأطلال اليسار ، وأما الغاضبون من المقترح فهم جماعة من تجار الدين ، يحاولون لي ذراع الدولة عن طريق تجيشش العامة من الناس ضدها ، وإظهارها بمظهر الدولة المارقة الخارجة عن كتاب الله ، وهو ذات الأسلوب الذي نهجه معارضو الدولة الأموية ومن بعدها العباسية ، فلو كان يهمهم أحكام كتاب الله لثاروا ضد عدم تجريم القانون المغربي لشرب الخمر ، فالخمر بحسب القانون المغربي ليس محرما قانونا إلا إذا وصل الى حد الثمالة ، والعبرة بحسب القانون المغربي في شرب الخمر إنما تكون في كمية الكحول في الدم ، وليس في عملية الشرب من أصلها ، ثم إن تجار الدين لا يثورون في حالة حرمان بنات الأخ من الميراث عندما تموت عمتهم ، فيرثها ابناء الاخ من الذكور دون الإناث ، وهذا معمول به في القانون المغربي ولا من يحرك ساكنا ، ولم يثوروا عندما كانت الوصية الواجبة حق لأبناء الابن دون ابناء البنت في ظل قانون الاحوال الشخصية المنسوخ . والقانون المغربي لا يسير بخط متوازن مع الشريعة الاسلامية ، فحتى الولاية في الزواج لم تعد شرط صحة ، و الحديث المنسوب الى رسول الله (ص) “لا نكاح إلا بولي” بات جزءا من الماضي ، فقد صارت المخطوبة البالغة حرة في ان تعقد على نفسها دون حاجة لوليها ، وهذا تعديل حملته مدونة الاسرة عكس ما كان عليه الأمر في قانون الاحوال الشخصية الملغى ، ليتضح ان المشرع المغربي اعتاد على الخروج على الشريعة الاسلامية ، بل إن حالات خروجه عليها أكثر من نقط التقائهما ، وحمدا لله أنه لا وجود لفصل قانوني يبيح زواج الرجل بالرجل والمرأة بجنسها ، علما أن لوبيات الشواذ أو المثليين وبحكم نفوذها المالي والإعلامي تضغط في اتجاه الاستئناس بهكذا مقترح .
وفي المحصلة فإن مقترح مساواة النساء مع الرجال في الإرث ليس هو موضوع الساعة لعدم وجود دراسة علمية تبين قيمة وحجم الثروات الموروثة ، و”حجم الإجحاف” الذي يلحق بالنساء من الورثة ، بالمقابل فإن موضوع الساعة هو التوزيع العادل والمنصف للثروات الوطنية بين الرجال والنساء ، وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال في جميع مناحي الحياة وعلى رأسها المساواة في رئاسة الأحزاب والنقابات ، وليس احتكار تلك المناصب للرجال ليقوم هؤلاء الرجال بالتنظير للمساواة بين الجنسين وهم أول أعداء تلك المساواة ، ومحاربة الأمية والهدر المدرسي ، والتصدي للفساد وللرشوة والزبونية والمحسوبية ، والتصدي لاستغلال القاصرات في الفنادق خمس نجوم ، وتقديمهن قرابين للزوار من الخليج وغيره ، بحثا عن سياحة قذرة ، و إغلاق كل ملهى ليلي أو كباريه يراهن على صدور وسيقان نساء لانعاش رقم معاملاته ، والعمل على تنزيل القوانين لحماية الارادة الشعبية خلال عمليات التصويت ، ومحاربة استغلال جسد وصورة المرأة للترويج للماركات التجارية ، والتصدي لأشباه الممثلات والمغنيات و الراقصات ممن يستثمرن في مفاتنهن لإنجاح أغانيهن وأعمالهن المملة والركيكة والسخيفة ، بوضع دفتر تحملات يمنع ما يسيء للمرأة ولو كان صادرا عن امرأة نفسها .
أما تخطي كل هذا والقفز في اتجاه المساواة بين الجنسين في الإرث ، فهو شبيه بربة بيت تكنس زربيتها كل صباح ، لكنها ترمي ما تكنسه تحت الزربية .