الرأيعين على المونديال

كابوس إيراني الصنع

محمد الشمسي
لم يكن أشد المتشائمين يعتقد أن منتخبنا المغربي سيخسر مباراته الأولى أمام نظيره الإيراني ، وقد تحدث متتبعونا لحالة الطقس الرياضي المغربي بيقين النصر على إيران ، وبقراءة فنجان كرتنا بأننا سنواجه البرطقيز والإسبان وفي جعبتنا ثلاث نقط مضمونة وباردة ، فكان هذا الاعتقاد أو الجرعة الزائدة في التفاؤل إلى حد الإستهانة بالخصم ، أول أسباب الخسارة ، ثم تسلل هذا الشعور بالتفوق إلى نفوس لاعبينا ، الذين ظنوا أن الفوز حليفهم ولو لم يسددوا أو يقاربوا ، حتى أن لاعبا في حجم زياش لم يكن حاضرا بمهاراته وفنياته ، بل كان يتجول في الملعب ، ويفعل بالكرة ما يريده هو لا ما يتطلبه اللعب الجماعي ، ثم إن لاعبا في حجم بوصوفة نسي تسللاته ومراوغاته ، وراح يتسكع في الملعب بلا مهمة ، ثم إن لاعبا في حجم بنعطية تطاول على التمريرات الطويلة فكان يمد الفريق الخصم بكرات جاهزة وعالية ، ثم إن لاعبا اسمه بلهندة لم يكن يظن أنه يخوض مباراة رسمية في مونديال روسيا ،بل الأميل إلى الصواب أن بلهندة كان يعتقد أنه في حصة تدريبية ، ثم إن من يشاهد أشرف حكيمي يراهن على أنه لم يسبق له أن شاهد فريق ريال مدريد حتى في مباراة على شاشة التلفزة ، فبالأحرى اللعب مع الفريق الملكي ، وعندما يفقد منتخب كل هذه الركائز يصبح الانهيار وشيكا ، وهذا ثاني الأسباب ، ورغم أنه كان هناك لاعب اسمه امرابط نور الدين ، ينير الطريق بثلاث رئات ، برجولة مألوفة فيه ، وقتالية كادت تودي بحياته وهو يصاب على مستوى المخ ، ورغم أنه كان هناك الفتى أمين حارث يحرث الملعب ، فإن شجرتين لا تصنعان غابة ، وإن السقطة ظهرت ملامحها بعدما جعجعت الأسود و أرعدت دون أن يظهر لطحينها أثر ، ولا لغيثها قطرة ، فامتلاك الكرة والسيطرة عليها لا يمنحان تفوقا ولا تحتفظ بهما ذاكرة تاريخ الجلدية الدائرية ، ولأن الشوط الأول انتهى بحسرة على عدم تسجيل الأسود ، فإن الشوط الثاني الذي يصفه المحللون بشوط المدربين ، ظننا أن الثعلب الفرنسي سيظهر مكره وخداعه للإيرانيين ، لكن هؤلاء نصبوا للثعلب فخا ، حين فاجئوه في غاره  ، وباتوا الأقرب إلى هز شباكه بهجمات خاطفة وسريعة ، ثم دفعوه إلى لعب ورقة التغييرات ، فكان ثعلبنا غبيا حين أقحم مدافعا ووسط ميدان ومهاجما ، مكان وسط ميدان بنفس هجومي غادر الملعب اضطراريا ، وقلب هجوم ابن بطولة محلية اتضح أن المباراة أكبر منه ، وأنه لم يتم تحضيره ذهنيا لها ، وأنه كان مذعورا مرتجفا خائفا ، تتحدث عن ذلك تقاسيم وجهه ، وتعامله مع الكرات التي تسلمها من زملائه ، وارتماءته بدون كرة في مربع الخصم ، ثم وسط ميدان مرتبك وغير فعال ، وهذا ثالث الأسباب ، أما رابعها فكذبة كبيرة تعشش في دواخل كل مغربي منا ، فلا ندري من أين تسلل إلينا نحن معشر الجماهير المغربية شعور بأننا مرجع في كرة القدم ، وأننا أسياد الكون في اللعبة ، فأحلامنا أكبر من أفرشتنا ومن ذاكراتنا ، وهناك تفاوت واضح بين ألسنتنا الطويلة ، وأذرعنا الواهنة الضعيفة ، ولم نحقق يوما معادلة ” كد الفم كد الذراع” ، فالأعين مديدة بصيرة والأرجل مرتعشة قصيرة ، ونتناسى أن خزانتنا الكروية فيها كأس قارية وحيدة ، حصلنا عليها عندما كانت البطولة يشارك فيها من يستطيع شراء تذكرة السفر في الطائرة ، ومنذ سبعينيات القرن الماضي “لم نقرقبها” ، وعشنا على وهم كبير وحلم زائف ، بطولتنا ضعيفة لم تنتج من اللاعبين غير واحد يتيم سافر إلى روسيا لتمثيل 600 لاعب محلي يشاع أنهم “محترفون” .

خسرنا أمام إيران ليس بهدفنا ضد مرمانا ، بل بسبب عدم تواضعنا ، وصغرنا في المناسبات الكبيرة ، وسذاجة ثعلبنا الذي توشك الثعالب الذكية أن تتبرأ منه ، وأمامه معركة “واد مخازن” أخرى عليه ربحها ، أو أن يدخل جحره ويعتكف فيه ويبقى صغيرا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى