الرأي

جريمة “شمهروش ” : عندما يذبح أعداء الله “ضيف الله “

محمد الشمسي

لا زلت لم أصدق ما أسمع وما أقرأ وما أشاهد عبر مختلف وسائل الإعلام ، نحن الشعب الطيب المضياف الكريم المسلم ، أو بهكذا يشهد لنا التاريخ والجغرافيا معا ، يسكن بيننا من يتربص بضيف الله فيتخطف ويسحله ويقتله ثم يقطعه بفصل رأسه عن جسده ، ويزداد فزعنا ورعبنا حين نعلم أن القتلة شبان في مقتبل الأعمار ، فتكُوا بشابتين في سن الأزهار ، بعد أن استفردوا بهما في القفار .
الشابتان القتيلتان طالبتان جامعيتان مسالمتان ، أعجبهما ويعجبهما المغرب ، وقررتا شد الرحال إليه ، والأكيد أنهما كانت تعتقدان ذات اعتقادنا بأننا شعب جواد حليم راق ، ولم تكونا تظنان أن رحلتهما الى مغربنا هي آخر محطة لهما نحو الدار الآخرة وبطريقة فظيعة بشعة بغيضة فاحشة قبيحة ومخيفة ، تصعقنا لنصحوا من غفوتنا ، أننا لسنا ذلك الشعب ، أو على الأقل لم نعد ذلك الشعب ، وأننا نقترب من دخول عالم بدائي همجي غير إنساني وبلا تأشيرة .
في الوقت الذي نحيي فيه عناصر الأمن بكل تلاوينها على الهبّة القوية والسرعة والجدارة ، و في تضاريس صعبة ، ووسط بيئة مغلقة ووعرة أن تصل إلى أوكار تلك الوحوش التي لا نرضى أن تقاسمنا الجنسية والدين ، وحدها تلك الاحترافية في التدخل وتفكيك طلاسيم الجريمة والقبض على الجناة قبل أن تجف دماء الفتاتين البريئتين هي التي أشفت شيئا من ضيمنا وحسرتنا على حالنا ، ونحن الذين بتنا ننتج هذه الطينة من الأغوال .
ذبح أعداء الله ضيفتا الله ، ويريد أعداء الله مسح خطيئتهم في دين الله ، فيقترفون بدل الكبيرة الواحدة كبائر لا تعد ولا تحصى ، يعتقدون أنهم بتكبيرهم وتسبيحهم يخادعون الله و الناس ، والحال أنهم لا يخادعون إلا أنفسهم .
قُتلت الشابتان المقبلتان على الحياة بشغف ولوعة وود ، الباحثتان عن لذة الطبيعة وإشتهائها ، العاشقتان لشساعة وسكينة إمليل ، المتيمتان بطعم حياة البراري ، الهاربتان من صخب جبال الإسمنت بالدانمارك والنرويج ، والمحتميتان بوقار جبل توبقال وسلطانه .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا نحن معشر أهل هؤلاء السفاحين الذين نحمل معهم الانتماء لنفس هذا الوطن ، من هو الميت اليوم في عيون كل العالم ، ومن هو الحي ؟ ، من البريء ومن الآثم ؟ ، ومن المذنب ومن الطاهر ؟ ، الشابتان قدمتا حياتهما شغفا في المغرب ، والقتلة نالوا سخط كل العالم في الدنيا وحتما ينتظرهم سخط الله في الآخرة ، لذلك أكاد أخفف على نفسي من أنه حين يحضر الغدر والمكر والخبث ينتصر القتيل على القاتل ، ويموت المجرم آلاف المرات لينتصب المقتول إجلال وتبجيلا وتشريفا ، وتصبح كل قطرة دم من دماء المغدور أنقى وأصفى من وجه السفاكين الملعونين الغدارين .
لن أكتب للشعبين الدانماركي والنرويجي تعزية في الفقيدتين ، فنحن أحق بالتعزية فيهما لأنهما عشقتا المغرب حتى الموت ، ولأنهما قتلتا عندنا وبيننا وعلى أيدي شبان نتأسف أننا نقاسمهم الأرض والماء والسماء ، قُتلتا في مغربنا الذي انجذبتا إليه بلا تردد ، لكن أكتب للشعبين رسالة اعتذار بسبب جنوح قطارنا عن سكة الإنسانية ، وتزحلقه فوق سكة البهيمية والحيوانية الموغلة في التوحش ، البنتان احتمتا بجمال جبال وطبيعة المغرب ، لكنهما قتلتا شر قتلة في قلب تلك الجبال وتلك الطبيعة ، فما عسانا أن نقول ؟، صرنا نقتل “ضيف الله” ونقطع أوصاله ، ونوثق للجريمة بالصوت والصورة ، يا لتعاستنا ويا ويحنا ، أفينا من يتجرأ على ذبح ” ضيف الله ” ” وباسم الله وباسم دين الله ؟ ، اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه .
لكن الذي أنا متأكد منه ، هو أن القتلة الثلاثة ما هم إلا أدوات التنفيذ ، وأن الفاعلين الأصليين والفعليين يوجدون خلف الحواسيب وخارج الحدود ، يرسلون التعليمات والوصايا عبر أثير الانترنت المقيت ، ويغسلون الأدمغة الفارغة من الفراغ ليملؤونها بالانتقام والبغضاء والغيظ والضغينة ، هناك يقبع المتاجرون في صكوك العداوة والحنق والقتل ، وغاية هؤلاء الشياطين هو زرع الرعب وحرث الهلع لجني الخوف وحصد الفزع ، وتنفير الشعوب من بعضها ، حينها فقط يخلو لهم الجو ليبيضوا ويصفروا ، لكن هيهات أن نسعفهم فيما يصبون اليه ، أو نعينهم على قضاء حوائجهم الدميمة تلك ، حين تقطع الشعوب صلاتها ببعضها ، وتتشكل في دواخلنا كميات مبالغ فيها من الرهبة والذعر جراء جهلهم وسفههم وغبائهم وبشاعاتهم ، حينها فقط تسائلنا روح القتيلتين أنا خذلناهما خذلانا مبينا ، حين استسلمنا لنزق المتهورين .
تصبح اللغة عصية غير مطواعة في مثل هذه الأحداث البربرية ، يشعر الإنسان فعلا بهول ما يسكنه من تغول ، ونشعر بالحرج أمام العالم ، لأن واقعنا أفرز لنا ومن وسطنا أوغادا وحثالة جعلونا مخيفين و شبه ممقوتين في نظر سكان الكرة الأرضية ، ونحتاج إلى كثير جهد من العمل مع عقد من الزمن لنمحو تلك السمة ، ونبرهن للعالم أن أولئك الجناة الآثمين هم عينات خاطئة ، وهم نسخ غير مطابقة للأصل من مجتمع غارق في الأصالة ومتجدر في الإخاء والتوادد والسماحة والنخوة .
ونهمس في آذان المسؤولين ونقول لهم ” قوموا للعمل يرحمكم الله ، ابحثوا في الظروف التي تدر على الشعب مثل هؤلاء المتعطشين لسفك الدماء واستئصال الارواح وإهلاك الأبرياء وإفناء الحياة ، استعينوا بالدراسات والأبحاث والمختبرات والكليات والجامعات ، وقوموا بالتشريح والتشخيص ثم العلاج ، فجريمة شمهروش تجعلنا نستحيي من جنسيتنا ” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى