ليلة الاثنين الثلاثاء، فقد المغرب أحد رجالاته الأبرار، الأديب والكاتب ومؤرخ المملكة والناطق الرسمي باسم القصر الملكي، عبد الحق المريني، ضابط بلاغات الديوان الملكي هو نفسه، ولعدة سنوات، ضابط التشريفات الملكية والأوسمة، ضابط السلوكات والمواثيق المرعية… وفي كل هذه المجالات، التي خبرته في بعضها وتواصلت معه خلالها، كانت للفقيد كلمته المسموعة، ومبادراته ومعاملاته الودودة، بخفّة دم محسوبة، وبحسم بما يلزم من حزم…
قد لا يعرف كثيرون أن العمل التوثيقي المخزني الذي كان يقوم به الفقيد عبد الحق المريني، على امتداد حياته المهنية والعلمية، كانت حافزا لي وراء تأسيس أول وكالة أخبار صحافية في المغرب وفي إفريقيا… كنت أواكب عمليات الانتقال السلس للحكم، منذ منتصف التسعينيات مع الملك الراحل الحسن الثاني إلى منتصف نهايتها مع بداية الملك محمد السادس، كان المخزن وكان اليوسفي والفقيه البصري، وكنت أحمل في زوّادتي بعض من زاد شباب و”عتاة” اليسار، وكان الرفاق يتحدثون عن الفراغ التوثيقي لتاريخ مغاير، تاريخ الأحلام الكبيرة والجراحات الغائرة، فجاءت الوكالة الدولية للصحافة والاتصال، لتقوم بهذا الدور، لتكون عين وذاكرة اليسار، من زاوية، وقد نجحت الوكالة في هذه المهمة بنسبة كبيرة، إذ يحقّ لي أن أبلّغ كل من يهمهم الأمر أن مجموع محطات القوافل الحقوقية إلى مواقع المعتقلات السرية وتفاصيل مسارات تجربة الإنصاف والمصالحة وغيرها من المحطات الاجتماعية والمدنية والحقوقية الكبرى هي موثّقة عندي بالصوت والصورة، وسيأتي أوان الاشتغال عليها لإعدادها في الحلل اللائقة بها… لكن الوكالة أصبحت، بصفة أساسية، مرآة لكل المغرب ولكل المغاربة، مرآة بلد ووطن وملك وشعب بمختلف قواه وحساسياته، مرآة مجتمع يصارع ويتحرك ويسقط وينهض ويتلملم ويتقدّم…
ومما يشكّل لي مثار فخر واعتزاز أن الفقيد عبد الحق المريني كان موصول التواصل معي، فكان يناقش معي بعض الصور ومراميها، وأحيانا تعليقات الملك محمد السادس عليها، وكان، حسب الحالات والصور، يبدي الإعجاب أو العجب أو الغضب يرسله في قالب من أدب… وسأحاول العودة إلى الكتابة عن هذه الاتصالات، التي تكشف معدن الرجل، وشخصيته الفذّة، وثقافته ومعارفه الموسوعية، وتتبّعه لما يجري في الحياة العامة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، مما يجعلني أقف إجلالا وإكبارا في وداع قامة مغربية أصيلة… فأحر العزاء والمواساة لكل أفراد أسرة الفقيد عبد الحق المريني الصغيرة والكبيرة…
