موسم “سيدي المعرض الدولي للكتاب”

كنت قد قررت عدم زيارة ما يسمى بالمعرض الدولي للكتاب المنعقد بالدارالبيضاء رغم أنه لا يفصلني عن بنايته سوى مسيرة نصف ساعة ، والسبب أني أرفض المشاركة في كارنفال ثقافي مزيف ، معرض دولي للكتاب يُعقد في دولة أكثر من نصف سكانها لا يكتبون ، ومثقفوها الأحرار مهمشون ، ورويبضاتها استعلوا واستحكموا وتحكموا في الفعل الثقافي ، لكن شاءت الأقدار ونزولا عند طلب قريب عزيز عدلت عن قراري ورافقت قريبي صوب المعرض المعني ، لم يتغير شيء ، نفس المشهد المقزز ، مجتمع لا يقرأ ، بل لا يؤمن بالقراءة ، مجتمع يستهزئ فيه الزاهد في القراءة من الراغب فيها ، مجتمع يسأل الكثير منه وبسداجة ، ما الفائدة من تأليف كتب جديدة مادام السوق متخما بالكتب ؟ ، مجتمع تصنفه المؤسسات المهتمة بفعل القراءة والثقافة في ذيل ساكنة العالم ، لا يتقدم سوى على دول تمزقها الحروب الأهلية والمجاعات ، مجتمع لا يزال أسير مرض الأمية بمعناها جهل القراءة والكتابة ، وليس بمعناها الإلمام بلغة واحدة ، مجتمع يخرج صغاره من مدارسهم كما دخلوها ، مع تغيير ملحوظ في قاماتهم و أوزانهم وتقدم في الأعمار ، مجتمع تفلس فيه المكتبات وتتحول الى دكاكين لبيع الأكلات الخفيفة ، وحكومة آخر ألبومها الغنائي صيحة وزير فيها أن قطاع التعليم حمولة زائدة ، وأنه يستنزف ثروة البلاد ، ولا يفيد العباد ، وكأني بمعالي الوزير يريد تحويل الوطن و المواطنين إلى زريبة من الخرفان والعجول ، يوفر لها المأكل والمشرب ، فتسمن لتتناطح فيما بينها برعونة وطيش .
لذلك عجبت لمشهد اكتظاظ هؤلاء القوم على جنبات ، وفي قلب مبنى معرض الكتاب ، تساءلت في قرارة نفسي ، هل تثقف مجتمعي قبيل معرض الكتاب ؟ ، اكتظاظ لوسائل النقل ، يشدك منها تراص الحافلات بمنبهاتها المدوية والمزعجة ، وكأنك في محطة “درب بن جدية ” في زمنها ، أو محطة “أولاد زيان ” على حالها ، ينزل الصغار من أبناء المدارس والإعداديات من مختلف مناطق المملكة ، يظهر ذلك من خلال تصفح يافطة مقدمة الحافلة ، أو النقل المدرسي ، يسير الأطفال صفا صفا لا يدرك المساكين أن الغاية من رحلتهم تلك هي جني المال ، سواء من طرف جمعيات بلا ضمائر ، أو من طرف إدارة مدرسة تمتص دماء آباء التلاميذ امتصاصا ، باعة صيكوك وباعة الماء ، والمتسولون ، وباعة الحلويات وألعاب الصغار ، يغلقون منافذ المعرض ، ازدحام قرب شباك استخلاص ثمن الدخول ، مطعم بمدخل المعرض ينتج من عدد الوجبات ما يفوق عدد الكتب المعروضة ، الصغار يفتشون وسط صفوف وركام الكتب عن قصة تروقهم من خلال لونها لا عنوانها .
بعض أشباه المثقفين يقتنون كتبا ليس لقراءتها بل لتثبيتها في الرفوف وإضافتها إلى كتب معرض السنة الماضية التي غرقت وسط ترابها ، يحققون بريائهم الثقافي نشوة ، صالونات هنا وهناك بكراسي وثيرة ، يشاع أنها للندوات المسماة زورا بالثقافية ، يكثر النفاق الثقافي ويقل الأوكسجين ، و تعرق الأجساد وتفرز روائحها ، لا دليل على أن رواد معرض الكتاب هم أهل الكتاب ، ملامحهم وطريقة حديثهم ، بل وهرولتهم تدل على أنهم جاؤوا إلى المعرض يوم السبت لكي “يضربو شي دويرة” ، لا فرق لديهم بين معرض دولي للكتاب ، و”موسم” قرب ضريح فيه من الهرج والمرج والجلبة والضجيج ما يتنافى مع فعل الثقافة والقراءة والمعرفة .
كنت أتوقع أن يهجر غير القراء معرض الكتاب ، وينفرون منه ومن كتبه ، ويتحول مبنى المعرض إلى مكان مهجور لا يملؤه سوى المرضى بفيروس القراءة ، لكننا قوم نملأ المساجد بلا إيمان ، ونملأ المحاكم بلا اتعاظ ، ونملأ الملاعب بلا احترام ، ونسوق سياراتنا بلا تسامح ، ونخاصم جيراننا بفجور ، ونسرق من وقت مشغلينا بشواهد طبية كاذبة ، نستولي على الملك العمومي المتاخم لمسكننا ونضمه إليه ، ونكذب على أنفسنا ونقنعها بكذبنا عليها ، فيتشابه علينا البقر ، ويصبح معرض الكتاب لدينا مثله مثل عرس ندخله دون أن نكون من المدعوين له .