الرأي

عاداوي : أنا من شعب الملك الذي لا يصوت

لا أصوت ، ولم يسبق لي أن تسجلت في اللوائح الانتخابية ، ولم يسبق لي أن انخرطت في أي حزب سياسي ، وبهذا سألقى الله وأنا مبتهج ، باستثناء سابقة وحيدة اقترفتها في التسعينيات ، كنت حينها شابا وطالبا في السنة الأولى شعبة القانون ، وحاملا لأحلام ومثاليات ، أشهد أني شاركت في اللعبة ، تصويتا واستفتاء ، بل تجرأت وكنت ممثلا لأحد المرشحين بأحد المكاتب ، وعاينت العملية كيف تجري اطوارها ، وملاحظات المناديب ، وكيفية إحصاء الأصوات وتحرير المحضر ، ومنذ تاريخها صمت عن المشاركة في العملية الانتخابية صوم الدهر .

لا أصوت لأني وجدت أن ذات العرض السياسي يقدم كل مناسبة انتخابية ويعرض في نفس الرحبة وبنفس التلفيف ولنفس “الكليان ” ، لا أصوت لأني وجدت ان الفعل السياسي في بلدي أرجعه البعض مهنة ولم يبق مجرد هواية ، وعندما تصير السياسة مهنة بدل هواية يصعب التمييز بين الرسام والدجال ، أتذكر بعض الأحزاب وأنا يافع ، كيف كان صيتها مثل صيت الأسود غير المروضة ، كانت إذا زأرت اهتزت العاصمة الرباط ، كان البرلماني من تلك الاحزاب اذا تناول الكلمة تحت قبة البرلمان ، يبقى صدى المداخلة يرجع داخل القبة ، اليوم فقدت تلك الأحزاب الأسنان والأنياب ، وصنع لها صانع أسنان فاشل فكا اصطناعيا ، لا يعض ولا يمضغ إلا الأشياء الهشة ، تهافتت الأحزاب كلها أو جلها لتلف بكارتها وتقدمها لرجال “المخزن” لافتضاضها مقابل حقائب وزارية ومناصب سامية لهم ولعشيرتهم ، وغرفوا من المال العام بقعا ارضية ، واعفاءات ضريبية وفيرمات وسفريات وامتيازات ، وباع مناضلو الأمس ساروت نضالهم التاريخي ، وقبضوا التعويض مالا وكريمات ، ولم يعد من فرق بين الامين العام لحزب ومقدم في دوار أو حي ، مثلما لم يعد هناك مانع من أن يجمع شخص بين مشيخة قبيلة بمكتب القايد ، وإمامة المصلين يوم الجمعة بدون حياء .

لا أصوت لأني وجدت أنه لا جدوى من صوتي ، وأني وأمثالي يقولون عنا بأن قافلتهم تسير ونحن الكلاب ننبح ، والحقيقة أن قافلتهم تغرق ولا تسير ، وأنهم في زوبعة ووسط عاصفة رملية لا يرون أبعد من رؤوس أصابع أقدامهم ، فأن يخيرك القدر المشؤوم بين التصويت لواحد من الشلاهبية ، او خصمه من طينة المجرمين الذي كلما رمقته حرا طليقا كلما تأكدت بأن القانون لا يسري على الجميع ، وبين انتهازي جاهل ، لا يفرق بين قبة البرلمان وقبة سيدي علي بن عيسى ، لا يهمه غير انتزاع المقعد وبجميع الوسائل والأثمنة ، فلمن أمنح صوتي وسط هذه الزحمة ؟ وبالمناسبة سبق وأن حضرت لقاء متشنجا بين أمين عام أحد الأحزاب من جهة وبين نائب برلماني نجح باسم هذا الحزب ، وعاتب الامين العام النائب البرلماني لكونه لم يلتزم باداء الواجبات الكرائية لمقر الحزب في تلك المدينة الصغيرة ، فكان ان رد النائب البرلماني بقول فيه إهانة وإساءة لكل مناضلي ذلك الحزب في تلك المدينة ، وتدخل الامين العام وبالمناسبة هو كذلك وزير ، وأخبر النائب البرلماني ان المناضلين كانوا قد اعترضوا على تزكيته في الاقليم بسبب ماضيه وسيرته ، لكن النائب البرلماني قمع الامين العام والوزير بقوله ، ” بمقعدي هذا الذي لم يكن حزبك يحلم به ، انت الآن وزير في الحكومة ، في الانتخابات المقبلة سأحقق لمناضليك رغبتهم وأنسحب وانظر هل ستجمع فريقا برلمانيا تضمن به حقيبة ” ، فابتلع الامين العام والوزير ريقه وطالب بوقف اطلاق النار بين الطرفين ثم ما لبث ان انسحب خاسئا ذليلا .

اعتقدت دائما أن الصوت الانتخابي أمانة ، وهو شهادة حق ، وهو مسؤولية ، لذلك لم اضعه رهن البيع أو الرهن أو السمسرة ، وبحثت عمن يستحق هذا الشرف فوجدت فقط “براحا ” و ” حياحا ” ، وحلايقية و ومهرجين ، وسماسرة وشناقة ، ومشعودين ومحتالين وكذابون وأفاكون ، يتهافتون على نهب الوطن كما يتهافت الاكلة على القصعة ، يوزعون المال علانية ، يتبجحون بشرائهم للاصوات جهارا ، يتحدثون عن صفقاتهم في سوق الاصوات بهواتفهم الذكية وهم الاغبياء ، ويمشون في الاسواق يوزعون الورقة الزرقاء ، وفي نهاية المطاف تتشكل حكومة وبرلمان لا علاقة بيولوجية بينها وبين الشعب ، حكومة لوبيات ، وبرلمان مصالح ، لذلك لا عجب في ان نتفرج جميعا عليهم وهم ” كيتحاطوه” تحت قبة البرلمان بالسباب و التراشق بالنعوت والصفات ، وتفرنقع جوقتهم دون حل مشاكل المواطن .

لا أصوت ولن أصوت على هذا الطينة ، لن اشتري بضاعتهم الكاسدة الفاسدة ، وحبذا لو يجمعوا أزبال برامجهم من شوارعنا ، بعد انتهائهم من موسم “الحيحة” ، ويكفيني فخرا أن الملك قال في خطابه الأخير انه ملك من يصوت وملك من لا يصوت ، وأنا فخور بأن أكون من شعب الملك الذي لا يصوت ولن يصوت .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى