الرأي

حتى إشعار آخر!

مدت زيارة الرئيس الفرنسي “فرانسوا هولاند” لبلادنا، بطاقة حرارية قوية، لعدد من المسؤولين من مختلف الرتب والمستويات، من أخمص الهرم إلى رأسه، من المقدم والشيخ، بهذه الملحقة الإدارية أو تلك “المقاطعة الحضرية سابقا”، إلى الوزير ورئيس الحكومة و…، مرورا بعدد غفير من المسؤولين، بمهام منها من يقتصر حضوره على اليافطة التي تزين باب مكتبه فقط، أو بغاية -ربما- التخويف في قراءة أخرى؟
حيوية وديناميكية مسعاها أن يمسي عنوان المدينة أبيض، قوامه الجمال الذي يسر الناظرين ولو ظرفيا، وهي التي كتب عليها أن تظل صورتها قاتمة مفحمة بالسواد، لاتتشح بياضا، استثناء، عدا أثناء كل زيارة رسمية للملك، أو بمناسبة كتلك التي عاشتها عاصمة، المفروض أنها اقتصادية وتضاهي كبريات العواصم العالمية!
عُبّدت الطرقات وكُنّست الشوارع، وطليت الجدران باللون الأبيض، عكس الألوان البشعة التي تحضر طوال السنة، ضدا على المقرر البلدي القاضي بتوحيد واجهات المنازل، والذي يجعل منها فسيفساء بشعة تتجاور فيها الألوان من غير تناغم وفي منتهى البشاعة والتقزز. وبما أن “الصباغة” هي طقس يومي بامتياز لدى البعض، فقد طالت حتى أعمدة الإنارة العمومية وحواجز الممرات الأرضية، وكل قطعة حديدية يمكن أن يطلع على تفاصيلها ضيف المغرب ومن معه؟
خطوات رافقها خروج عشرات الشاحنات إلى الشارع ومعها عمال النظافة والإنعاش الوطني، من أجل التقاط كل القمامات التي استكنت أرجاء هذه المدينة، بملتقيات الشوارع وناصيات الأزقة، معلنة فشل أي تدبير مفوض في هذا الصدد، لعوامل مشتركة ما بين الشركات، المسؤولين والمواطنين بدورهم.
أما مطرح مديونة الشهير، الذي لايمكن المرور بمحاذاته من غير إغلاق نوافذ السيارات على بعد مسافة لايستهان بها، كما لايمكن أن ينظر إليه دون اشمئزاز أو تحسر على الأقل، عند النظر لتلك الأسراب من طيور النورس التي ترفرف وتحوم حوله ، وقطعان الأبقار والأغنام التي ترعى على تربته، إلى جانب عشرات من “النبّاشة” شبابا ونساء وأطفالا يقتاتون على مخلفات وأزبال، يتخذونها موردا لكسب “طرف ديال الخبز”، فعلى شساعته التي احتضنت الوساخة والقذارة، تغيرت بين عشية وضحاها معالمه وملامحه، واستحال بقدرة قادرين على قلب الحقائق أو مكيجتها، مشتلا وروضا، واجهته تبهج وخلفيته تزعج، ينطبق عليها مثل أشقائنا “من برا الله الله ومن كوة يعلم الله”،أو المثل المغربي “آلمزوق من برة آش خبارك من الداخل.”!
على أن ما يسترعي الانتباه، أن هذه “المنجزات” لم تخل من ترقيعات، ففي خضم هذه الفورة، كانت الأزقة الخلفية لعدد من المناطق التي طالتها نوعية هذه الأشغال ، منسجمة مع نفسها ومع حالتها الاعتيادية، إذ لم تطلها الرتوشات لكونها كانت بعيدة عن أي زيارة غير مبرمجة، وظلت وفية لحالتها لاتعاني من أي حالة انفصام، قد تؤدي إلى تسجيل اختلال في المنظومة اليومية التي تعيشها.
هي إذن تحركات وخطوات، كان من الممكن جدا أن تشكل طقسا اعتياديا، مبلغه الحفاظ على جمالية المدينة وتأهيلها بعيدا عن مظاهر البشاعة التي يعيش الجميع فصولها بشكل يومي كرها و طواعية، وتبين وبالملموس أن كل الإمكانيات متوفرة مادية كانت أو لوجستيكية أو بشرية، وبأن الإكراه الوحيد الذي يحول دون أن تكون الدارالبيضاء جميلة، يكمن في القيمين عليها، والمدبرين لشأنها، والماسكين بمقاليدها، فبياض الدارالبيضاء أمر ممكن جدا .. لكن إلى إشعار آخر!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى