الرأي
خدام الدولة: الشجرة التي تخفي الغابة

طرحت قضية ما بات يعرف بـ”خدام الدولة”،ضجة على الصعيد الوطني، لدرجة أنها أصبحت قضية رأي عامومثار انتقادات واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي،كما وجه برلمانييونأسئلة كتابية وشفهية إلى وزير الداخلية لمساءلته أمام البرلمانحولشرعية و شفافية عملية التفويت أراضي الملك الخاص للدولة، خصوصا عندما بدأتتتسع قائمة المستفيدين من هذه الأراضي لتشمل مستشارين و قادة سياسيين ووزراء و موظفين و ضباط سامين ، حيث أفادت التسريبات الخاصة بأنه تم تفويت مساحات أرضية كبيرة وبأسعار بخسة تراوحت ما بين 350 و370 درهما للمتر المربعاستناد على المرسوم عدد 2.95.841 الصادر يوم 26 دجنبر 1995، وهو غير منشور في الجريدة الرسمية ، وذلكفي تعارض تام مع المقتضيات المتعلقة بشروط تفويت الملك الخاص للدولة المنصوص عليها في المرسوم الملكي رقم 2.02.185، الصادر في 5 مارس 2002، المتعلق بسن نظام عام للمحاسبة العامة، ولا سيما الفصل 82 منه الذي ينص بصريح العبارة على التالي: ” يباشر بيع العقارات من ملك الدولة الخاص عن طريق المزاد العلني”.
وجدير بالإشارة في هذا الصدد إلىأن موضوع تفويت الأراضي التي تدخل في الملك الخاص للدولة لوزراء و موظفين سامين الذين نعتهم بلاغ وزيري الداخلية و الماليةب “خدام الدولة ” ، يمكن اعتباره”الشجرة التي تخفي الغابة “، و هذا ما يدفعنا إلى طرح مجموعة من التساؤلات :
1- لماذا غاب الحديث عن الأراضي الفلاحية التي استرجعتها الدولة المغربية من المعمر الفرنسي بمقتضى ظهير 1971 ووزع معظمها على وزراء وبرلمانيين سابقين و سياسيين( ينتمون إلى أحزاب وطنية ) و أشخاص نافذين أسسوا شركات وتعاونيات فلاحية لتسهيل مسطرة تفويتها بأثمنة رمزية.
2- لماذا غاب الحديثعن الأراضي السلالية التي تم نهبها وتوزيعها بين المتحكمين من كبار رجال السلطة والمال ومن بينهم أيضا برلمانيونوسياسيون، وشردت مئات العائلات في مناطق مختلفة على صعيد التراب الوطني .
3- لماذا غاب الحديثعن الأراضي التي انتزعت من الفلاحين الصغار بالقوة والتهديد تحت ذريعة إنشاء مشاريع تعود بالنفع العام على الدولة ، وقد تبين فيما بعد بأنها عادت بالنفع على فلان و علان ، وتم دفع الفلاحين و أسرهم للهجرة إلى المدن ، ليسكنوا الأكواخ و الأحياء الصفيحية.
4- لماذا غاب الحديثعن أراضي الكيش التي انتزعت من أصحابها، بطرق ملتوية، بدعوى تحقيق المنفعة العامة ، لكنها وزعت على شكل بقع أرضية و تجزئاتعلى موظفين سامين و سياسيين و أصحاب شركات من النافذين مقابل تعويضات زهيدةللسكان ، ومازال هؤلاء يطالبون ، في إطار حركاتهم الاحتجاجية المتتالية ، بالالتفات إلى مطالبهم المشروعة و منحهم تعويضات منصفة ، لكن يواجهونبالآذانالصماء تارة ، وتارة أخرى بالعنف والإعتداءمن قبل السلطات .
5- لماذا غاب الحديثعن رخص الصيد البحري و الرمال التي استفاد منها موظفون سامون وبرلمانيون و سياسيون ، مقال شراء ولائهم و صمتهم،ولم تكشف الحكومة عن أسماء هؤلاء والشروط و المعايير المعتمدة في منح هذه الرخص .
6- لماذا غاب الحديث عن أراضيي و مساكن اليهود المغاربة الموجودين خارج الوطن ، حيث تم الاستيلاء على ممتلكاتهم بعد تزوير عقود شرائها من قبل موظفين سامين و منتخبين و سياسيين بتواطؤ مع محامين وقضاة .
إن الاثراء غير المشروع عن طريق استغلال السلطة والنفوذو نظام الامتيازات مازال مستمرانضدا على دستور المواطنة لسنة 2011 الذي كنا نتمنى أن يشكل حدا فاصلا بين عهدين ، عهد الريع و الفساد وعدم المحاسبة و عهد ربط المسؤولية بالمحاسبة و تكريس مبادئ المواطنة الحقة التي ترتكز على المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين .
و في نفس السياق ، أعتقد أن المسؤولية مشتركة بين الدولة والحكومة والأحزاب السياسية والبرلمان عندما يتعلق الأمر بخرق مبادئ الدستور وعدم احترام مقتضياته . و ما قضية “خدام الدولة ” والقضايا التي أثرتها إلا دليلا على احتقار الدستور و الاجهاض على حق المواطنينالمغاربة في الاستفادة من فرص و ثروات و خيرات بلادهم على قدم المساواة .
و ختاما ، يمكن القول أنه عندما تكون لدينا أحزاب سياسية قوية و نظيفة و مجتمع مدني فاعل يقوم بدورة ، يمكن كبح جماح الطامعين و الانتهازيين الذين يطمحون إلى الاغتناء السريع عن طريق السلطة .
* مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية